تغيير الأفكار يغير الحياة، تلك القاعدة التي يقاس عليها التغيير على المستويات كافة، لكن ذلك يتطلب جهدا فكريا وليس بحاجة الانتظار لتقليد أخلاقي. تحرير الفكر الاجتماعي من القواعد التقليدية يستدعي العمل على ابتكار الأفكار الجديدة، ولدينا مخزون من الكتابات والأفكار التي لم تتجاوز فاعليتها إطار نصوصها، ينظر إليها كتحفة فنية بالغة في الجمال ولا يتجاوز تأثيرها ذلك الإحساس، وقد كان من السيئ أن يتمحور عالمنا الثقافي حول المسائل المادية والتنظيرية أو المقارنات التي لا ترى من الحضارات الأخرى إلا نتائجها، وكأننا على الوجهين السلبي والإيجابي نتعامل مع النتيجة الواقعية كنموذج ولا نبحث في الأسباب التراكمية التي خلقتها، غير أن بإمكاننا أن ندرس حضارة مجتمع ما قياسا على الكيفية التي تفاعل فيها الإنسان مع بيئته. لا يوجد آلية لتوجيه التراكم الأدبي والفكري وتوثيق صلاته بالحياة الواقعية، بالرغم من أن الوسط الثقافي يشكل وسيلة للعمل الاجتماعي وأساسا جوهريا لنشاطه إلا أنه لا يخلو من المعاناة، فالمثقفون يشكلون طبقة اجتماعية بحد ذاتها لها خصوصيتها، ولكننا سنجد في ملاحظة لبعض الحوارات الثقافية أن هذا العامل المهم يأخذ له مكانا في الصراع بشكل أو بآخر وباختلاف الحدة، تبعا لعوامل أخرى لا يسع حصرها، لعل أهم تلك النواحي الشخصنة وقبول الأفكار أو رفضها، أو في حالات الخجل من جهل معلومة وغلبة الرأي الآخر، وكأن الطاولة الثقافية أحيانا مساحة للهزيمة والانتصار، مما أفقد حوارات المثقفين فاعليتها وجدواها، بذلك لن يحظى الخطاب الثقافي والأدبي على سطوته وتفوقه لينعكس على الفكر الاجتماعي ما لم يكن منسجما في ذاته محققا لقيمته الأدبية ومؤهلا بكل الإمكانات المادية والمعنوية من أجل التأثير. هناك أفكار رائدة في العمل الاجتماعي أخذت على عاتقها مسؤولية التحسين من مستويات الأداء والعمل في الحياة الاجتماعية، ولا بد من خلق التكيف وإدماجها في المجتمع ليتأثر بها ويحصل على انعكاساتها الإيجابية، ولكن اعتماد الخطاب الثقافي في بعض صوره على النمط التقليدي في تحرير الفكر الاجتماعي سيتسبب في تمزق الإرادة الفكرية، إذ إن الأفكار التي تصنع التغيير لا تمنح صاحبها صفة الأناقة ما دامت تحقق شكلا للأهداف الشعبوية بمقابل عجزها الحقيقي عن التأثير. [email protected]