قبل عقود اشتهر نشيد عربي يتغنى بالعروبة كخيار مصيري لا مفر منه، يمتدح في تفاصيله مظاهر الاتحاد بين دوله إن أمكن ذلك، نظم كلمات ذلك النشيد الشهير، الأستاذ فخري البارودي، و لحَّنَ موسيقاه الأخوان فليفل، وغناه العرب في كل مدنهم وقراهم ،بل ورددوه حتى في مدارسهم ، إلا أن ذلك النشيد بقي حبيس الصدور، ولم يتجاوز الحناجر التي تغنت به. وتقول أبياته. بلادُ العُربِ أوطاني .. منَ الشّامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ .. إلى مِصرَ فتطوانِ فلا حدٌّ يباعدُنا ولا دينٌ يفرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنانِ لنا مدنيّةُ سَلفَتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ فهبوا يا بني قومي إلى العلياءِ بالعلمِو غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني بالأمس دشن الملك سلمان بن عبد العزيز، خلال زيارته التاريخية لمصر أهم طريق تجاري عرفه الإنسان الحديث، ليس لأنه يخدم طرق التجارة فقط، بل لأنه وصل ما انقطع بين العرب طوال مائة عام، لقد حقق الملك سلمان ما لم يحققه العرب، منذ نشوء الدولة القُطرية العربية، وانحسار التواجد العثماني. فالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فصل العالم العربي فصلا نهائيا عبر البر ، وجعلهما يعيشان على ضفتين شرقية وغربية، في معزل ثقافي وحضاري. هذا الطريق الذي يوازي في أهميته طريق الحرير التاريخي، والذي عبر العالم من أقصى الصين شرقا، إلى أوروبا غربا، عبر قوافل الحرير والبخور، يعود اليوم على يدي الملك سلمان بن عبد العزيز ، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس الفكرة وواضع تفاصيلها. الطريق بشكله الجديد يبدأ من بكين عاصمة العملاق الاقتصادي الأصفر، مرورا بالهند، وبقية النمور الآسيوية، وصولا إلى تطوان آخر نقطة عربية تطل على المحيط الأطلسي، محولا السعودية ومصر إلى أكبر منطقة تبادل تجاري في العالم الحديث. السؤال المهم الذي يمتد بامتداد الفكرة وعظمتها، ماذا يعني أن يكون لديك طريق تجاري يأتي من بكين شرقا، عابرا السعودية فسيناء مصر عبر جسر الملك سلمان ، وانتهاء بأقصى مدن النرويج شمال أوروبا. ما يعنيه هذا المشروع العملاق تحديدا، إنك ألغيت أهمية المضائق الإستراتيجية ، كخليج عدن ومضيق هرمز، التي تحولت إلى مصائد تتحكم فيها بعض الدول المارقة، وتحاول السيطرة عليها عصابات القراصنة، أو تبقى تحت رحمة الأزمات والحروب العابرة. كما أن المشاريع الأخرى التي أقرت وتم التوقيع عليها، تؤكد على أن عوائد المشروع بدأت بالانهمار، بسبب الجسر وما سيقدمه من منافع هائلة لمصر والسعودية. فالمنطقة الحرة شمال سيناء، ستساعد على ربط الصناعات السعودية في شمال المملكة مثل وعد الشمال، وتصدير المعادن واليورانيوم، ووضع البترول الخليجي لأول مرة أمام الضفة الأوروبية، وعلى منفذ مباشر في البحر الأبيض المتوسط . وعلى الجانب المصري سيساعد المشروع في تقديم حلول تنموية لمشكلات سيناء، ويدعم الاقتصاد المصري المنهك، وتقديم الوظائف والتنمية اقتصادية، إضافة لتوفير عوائد جديدة كبرى للحكومة المصرية. لقد قدمت السعودية للعالم واحدة من أهم المبادرات الاقتصادية، التي تستطيع معها اختصار الزمن وتفعيل التجارة البينية بين الشرق والغرب، لتصبح معها يد « السعودية» هي العليا، و صاحبة الخيارات الإستراتيجية، ومن يتحكم في سير التجارة العالمية لاغيرها . المملكة بتحولها إلى الاقتصاد الذكي المبني على ابتكار الحلول الإبداعية، تقول للعالم لقد اكتفينا من النفط، وحولناه من خيار حياة إلى وسيلة حياة، ومن سلعة وحيدة، إلى إحدى السلع والطرق الاقتصادية التي نستخدمها، ولا نصبح أسرى لها ،لنكون أحد نمور العالم الاقتصادية القادمة.