في الرواية التي تبدأ بحلم، وعالم وردي، وعقدة الوحدة لطفل وحيد، لا يمكن أن تتخيل الحياة إلا مثار صراع هائل وإن كانت هادئة ومريحة، لا الصراع المعتاد في العالم الروائي المتخيل، الذي يأتي هادراً ليضطرب القارئ في دهاليزه، بل صراع من نوع آخر، يأتي باسترسال وهدوء، يتغاضى من أجله القارئ عن فجاجة بعض المواقف، ليفتش عن الاشكالية في هذا التيه الذي يبدو مثالياً ولوهلة، عالم محوره الأنثى، العلاقة بها، ذلك الكائن المكمل لنقص ما، عالم هاجسه الأول الفقد، وعلاقة جدلية بين الوجود وعدمه. في كل بداية، هناك احساس بالاختلاف، اختلاف الطفل الوحيد هذه المرة، الكائن الذي يأتي دون إخوة، في المجتمع الياباني الذي تحوك الرواية طرفاً منه، المجتمع الذي اعتاد على طفلين أو ثلاثة، يأتي الوعي بالاختلاف كأول وعي سلبي يعايشه البطل، لكنه استطاع أن يبني حياته المثالية، بعد تجاهل الخيبات الأولى، انغمس في حياته ومغامراته مع النساء، ليحيا الروتين المعتاد، أب لطفلتين، وصاحب أعمال، وبضع خيانات، ومتورط في حياة لا يشعر حيالها بشيء، إلى أن يعود ماضيه ليهدم عالمه المثالي، ويثبت له أنه إنسان لا يكتمل، ومدار للتشظي والألم، بإطلالة صديقة الطفولة "شيماموتو" التي تأتي لتغيب، وتحيل كل شيء إلى أشياء لا يدركها ولا يستطيع أن يعرف ماهيتها أو إى أين تتجه. رواية "جنوب الحدود غرب الشمس" متماسكة سردياً رغم مصادفاتها الفجة المتكررة، أو العالم الواقعي الفنتازي الذي يقال دائماً بأن موراكامي يكتبه، رواية كتبت بنفس سردي رتيب، يشبه اعترافاً أخيراً، واعتمدت على الحوار كتقنية سردية رئيسية أجاد الكاتب استخدامها دون بهرجة أو تحذلق في صلب النص، الذي جاء بسيطاً وممتعاً، بترجمة جيدة جداً. ولد الروائي الياباني هاروكي موراكامي سنة 1949م بمدينة كيوتو، بدأ حياته كإداري في نادي لموسيقى الجاز، ثم تحول للكتابة الروائية، وترجمت أعماله إلى ما يقارب الأربعين لغة، وفاز بجائزة فرانز كافكا الأدبية، والرواية من إصدارات المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى سنة 2007م، وتقع في 238صفحة من القطع المتوسط، من ترجمة صلاح صلاح، وصدر للروائي عن ذات الدار "الغابة النرويجية" و"سبوتنيك الحبيبة" و"كافكا على الشاطئ".