تحاك سير الشجاعة والفروسية أحيانا بقلم رصاص داكن اللون، دون أن تلامس واقعا صادقا على الأرض، أو تتماس مع المنطق وتتقاطع معه بأي شكل من الأشكال، ليس من قبيل سذاجة المتلقي أو سطحية التفكير وحسب، بل اتساقا ونهم الاستمتاع بالدراما البطولية المدججة بالكثير من «الحبكات» الفانتازية التي عادة ما تدغدغ حماسة الناس وخيالاتهم، كقصة الفلاح العراقي البسيط علي عبيد منقاش الذي أطل من نافذة الأساطير ببندقيته القديمة، حين روج أنها أسقطت طائرة أمريكية الصنع في الحرب التي تعرضت لها بلاده في أولى سنوات القرن الجديد وتحديدا في مارس 2003. مات «منقاش» وتخلدت سيرته في ذاكرة هذا الجيل، وقد صنع منه بائعو الكلام والمتاجرون بقصص «الغلابة» قضية تباهى بها من تباهى وتندر من أحكم المنطق وتأمل المضمون، مورثا قصة للذكرى ارتبطت بحقبة مهمة من تاريخ العراق، وجعلته مادة خصبة لإعلام بلاده ظلت السيناريوهات المرتبطة بالحادثة وترك معه سيلا من الانتقادات إزاء رواج فكرة كهذه في زمن كهذا. أبو كاظم الفلاح العراقي الذي قامت شهرته على حبكة لا يد له فيها، ليس من قبيل الكلام بل بحسب تصريحات منسوبة له بعد فترة طويلة من الحادثة، اعترف فيها أنه كان لعبة إعلامية في «حرب الصحاف» وأشباهه ومناوئيه، وأنه لم يسقط الأباتشي وفوجئ بالطائرة جاثمة على أرضه، حتى أبلغه مسؤول كبير للخروج على الفضائيات وإشاعة قصته البطولية وبأنه أسقط الطائرة ببندقية. قضى «قاهر الآباتشي» الخارق في نظر هواة «الأكشن» بعد أن رقص على هيكل طائرة أقوى جيوش الأرض، ورحل دون أن يناله من هذا القصة إلا شهرة لم ترتق بحاله البسيط أو تزيد من قيمته الاجتماعية، ليظل شاهد قبره إشارة دليل على أن في هذه الحفرة الصغيرة جسدا ذاع صيته على منابر الإعلام وصفحاته.