يومها كانت الجماهير غفيرة في معلب «أزتيكا» في مدينة مكسيكو في 22 يونيو من العام 1986م. أذكر جيدا عندما استلم الكرة في منتصف ملعبه. كان ظهره لمرمى الخصم. الكل يفكر في تمريرة متقنة، أو مراوغة مثيرة، أو أي فعل مدهش كوضعه للكرة بيده من فوق الحارس في الهدف الأول دون أن يتنبه له أحد. وحده «مارادونا» كان يفكر بطريقة مختلفة، وحده كان يفكر بالانتقام. استدار فجأة، تحول كل شيء في لحظة من مباراة كرة قدم إلى انتقام. رفع رأسه لم ينظر للخصم القريب كعادة المراوغين الأشرار الذين يستعذبون تساقط الخصوم، لقد كانت نظرته خاطفة بعيدة. إذن.. هو يفكر حقا بالانتقام. إنها فرصة سانحة ليعيد كرامته وكرامة شعبه المقهور، كل تلك الأعين الثائرة المطحونة التي تراقبه عبر التلفاز، لم يجتمعوا لمشاهدة لعبة ساذجة، بل احتشدوا من أجل الكرامة، مذاق الهزيمة المالح مازال عالقا في حلوقهم. إنها فرصة مارادونا، والفرص العظيمة ترفض تكرار نفسها مرتين. كانت الكرة بين قدميه (قذيفة) وهو مقاتلة من طراز نادر يجيد المراوغة والتخفي.. وشباك الإنجليز لم تكن سوى (جزر الفوكلاند). انطلق كحصان بري، أفرغ ما في رئتيه من هواء فاسد، وتسلل من بين كل السيقان الإنجليزية وأتم مهمته بنجاح. يومها ركض إلى زاوية الملعب محتفلا بنصره، رفع يده عاليا وهو يصرخ.. وكأنه كان يريد لصوته أن يصل إلى «بيونس آيرس»، إلى الأحياء الشعبية في الأرجنتين، إلى الجزر المطمورة بالماء، ورائحة الحرائق، ورفات أصدقائه الذين لم يستطيعوا الحضور لمشاهدة الفوز، أراد أن يقول لشعبه الذي كان يصفق حينها، نحن في العام 1982م، استعيدوا أفراحكم، واطردوا من حناجركم أحزانكم المالحة واهتفوا.. أرجنتينا.. أرجنتينا. * قاص سعودي