على الدوام سيستعيد العالم تلك اللقطة المصورة للهدف الإشكالي الذي أحرزه اللاعب الأرجنتيني الأسطوري دييغو مارادونا بيده في المرمى الإنكليزي عام 1986 في مونديال المكسيك. وربما أصبح هذا الهدف الأكثر شهرة في تاريخ كرة القدم، وبالتأكيد لم يكن ليكون كذلك لو لم تحتفظ به الذاكرة الإنسانية مصوراً، ما يعني أن الصورة هنا تحتفظ في المقام الأول بالأهمية التي لم يعد ممكناً تجاوزهاً إطلاقاً. مناسبة الحديث، ليست مارادونا نفسه الذي تعاطى دائماً مع الموضوع بوصفه مزحة لا غشاً، وإنما الحارس الإنكليزي بيتر شيلتون الذي يظهر هذه الأيام على قناة «أبو ظبي الرياضية» ليحلل مباريات الدوري الإماراتي للمحترفين. وشيلتون الذي يؤكد أنه لطالما رفض عروضاً تلفزيونية بالظهور إلى جانب مارادونا قبل أن يقدم هذا الأخير اعتذاره عن الهدف «المغشوش»، يضيع هنا فرصة نادرة وتاريخية بتسوية هذا الموضوع نهائياً بعدما انقضى عليه أكثر من ربع قرن، وربما يقدم للبشرية نفسها بعد أن «انأسرت « للهوى الكروي فائدة كبرى للتأكد من هذه المزحة التي لم تكن عابرة بالتأكيد في تاريخ كرة القدم، ولا في الاستثناءات التي منحتها لبعض أساطيرها لملء الأثير دائماً بتصريحات تكشف عن أبعاد أنثروبولوجية وأدبية وأخلاقية في عالم رياضة أصبحت الشغل الشاغل لملايين البشر، حتى أن بعضهم رفع منها شعارات وطنية وقومية مماثلة لأوطان بأكملها. الأكيد أن شيلتون يضيع فرصة نادرة ومهمة برفضه اللقاء مع مارادونا، فهو قد يعطي أبعاداً شفافة أخرى للمسألة غير تلك التي ارتبطت بحرب الفوكلاند بين بلديهما عام 1982، حين هاجمت الأرجنتين هذه الجزر في محاولة لاسترداد السيادة عليها. لكنّ بريطانيا التي تدخلت عسكرياً بحراً وجواً حسمت الحرب لمصلحتها بعد حوالى شهرين من اندلاع النزاع المسلح، ما يعني أن شيلتون في شكل أو آخر يبعد شبح الحرب الخرافي الذي قيل حينها إن مارادونا ينتقم رياضياً من البلد الذي هزم الأمة الأرجنتينية في حرب خاسرة سلفاً. وجاء مونديال المكسيك الذي جمع البلدين وانتهى بفوز الأرجنتين على بريطانيا من طريق هدفين: هدف اللمسة السحرية، والهدف الثاني الذي سمح لمارادونا نفسه بالمرور بين ستة لاعبين إنكليز قبل أن يصيب مرمى شيلتون في الهدف الذي أطلق عليه هدف القرن العشرين قبل أن يقود مارادونا بلاده في المونديال لتصبح بطلة العالم حين أقصى ألمانياالغربية حينها عن المركز الأول. وإذا كان الهدفان يملآن الأجواء والأصداء، وسيظل عشاق كرة القدم يعودون إليهما بنوع من الابتسام والتحبب لذكرى أسطورية لم تغب عن القلوب والنفوس، باعتبارها «الانتقام الأجمل»، فإن بيتر شيلتون يحرم العالم الكروي من هذه التسوية التاريخية الفذة التي يمكن أن تنعقد بينهما حتى من بعد الإحساس المؤلم بأفول نجوميتهما. وفيما ظل مارادونا على مزاحه الطفولي يذكر الإنكليز أيضاً بالهدف المغشوش الذي ربحوا فيه مونديال 1966، فإن بيتر شيلتون سيبقى على احتقانه طويلاً قبل أن يقرر الموافقة على تنظيم لقاء تلفزيوني ربما يكون الأهم في مسيرته الكروية والشخصية على حد سواء.