مع إعلان المملكة عن وقف المساعدات «البليونية» التي سبق إقرارها عام 2014، للجيش وقوى الأمن في لبنان، استفاق بعض السياسيين اللبنانيين من غيبوبتهم الطويلة للمطالبة بوقف انزلاق دولتهم خارج محيطها العربي، صحيح أنها استفاقة متأخرة جدا، لكنها تظل خطوة في طريق تصحيح المسار وتحتاج لتحرك حقيقي على الأرض حتى تثبت جديتها وتخرج لبنان من بطن «حارة حريك» المقر الرئيسي للذراع الإيرانية الإرهابية المسماة حزب الله. قبل نحو ثلاثة أسابيع كتبت في هذه الصحيفة تحت عنوان «لبنان يصرخ» ما نصه: «يجب أن يتوقف أي دعم عربي أو خليجي للبنان حاليا عدا الدعم السياسي المعنوي للقوى المناهضة للمشروع الإيراني، أما المال فأهل الخليج أولى به في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها دول إنتاج النفط حاليا»، وأشرت حينها إلى أن المعالجة السياسية لأوضاع المنطقة المرتبكة لا بد أن تتسم بالشجاعة والحزم في اتخاذ قرارات ربما تكون مؤلمة لكنها ضرورية، مشبها إياها بالعمليات الجراحية لإنقاذ حياة الناس، وها هو القرار السعودي الحازم صدر ليمثل أول تغيير اتجاه حقيقي في مسار العلاقات السعودية اللبنانية منذ اتفاق الطائف، لكنني مازلت أعتقد أن هناك خطوات مهمة لم تُتخذ حتى الآن، في مقدمتها ترحيل كافة اللبنانيين من دول الخليج؛ لأن هذا بكل بساطة يمثل أهم علاج جراحي طارئ لإنقاذ عروبة لبنان الذي يحتاج أن يتواجد خيرة أبنائه داخل حدوده «مرحليا» لمواجهة مشروع طهران الأسود، إنه «ترحيل لبنان إلى لبنان» وأي حلول أخرى لن تكون ذات فائدة موازية لهذا الحل برأيي مهما كانت ناجحة أو مؤثرة. وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق طرح على اللبنانيين عقب صدور القرار السعودي تساؤلات مهمة من ضمنها قوله «هل ذاكرة البعض ضعيفة إلى هذه الدرجة، كي ينسوا دعم أشقائنا في الخليج خلال أحلك الظروف؟ وفي مقدتهم المملكة العربية السعودية التي لم تميز يوما بين لبناني وآخر، وكانت دائما عنصر وفاق وتوافق، تدعم وحدة لبنان الدولة والمؤسسات، وتحتضن الشعب اللبناني، على تنوعه؟»، وكان يجدر بالمشنوق أن يطرح هذه التساؤلات بشكل مباشر على زميله وزير الخارجية جبران باسيل الذي خرق الإجماع العربي لخدمة عصابات طهران، وتحجج بأن ذلك في إطار المحافظة على «وحدة لبنان»، وهو عذر أقبح من ذنب، ولا ينبغي لأصحاب القرار في بيروت وعلى رأسهم رئيس الوزراء تمام سلام، وكذلك وزير الداخلية المشنوق أن يتجاوزوا الأمر دون تحريك ملف محاكمة سارق قرارهم السياسي، كتحرك إيجابي أولي لمعالجة الطعنة الغادرة في خاصرة بلادهم وعروبتهم.. يجب أن يحدث هذا قبل أن يرفعوا سماعة الهاتف للاتصال بالرياض محاولين احتواء الأزمة. الخطوة السياسية السعودية الموفقة التي أيدتها الإمارات والبحرين مباشرة ليست «خطوة نهائية» بل ستلحقها على الأرجح خطوات مجمع عليها خليجيا في الاتجاه ذاته لعزل «لبنان الإيراني» اقتصاديا وسياسيا وبعث «لبنان العربي» من جديد على أنقاض مشروع كهنة طهران، ما يعني أن قرارا صارما بترحيل كافة اللبنانيين من السعودية والإمارات والبحرين «احتمال قائم وقريب»، وهذا ما ندعو إليه لأنه -بكل بساطة- القرار الذي سيقصم ظهر «زميرة الضاحية الجنوبية» ويسترد القرار السياسي اللبناني بأيدي اللبنانيين أنفسهم، بعد ذلك سيجد كل لبناني لنفسه مكانا في قلوب إخوته الخليجيين والعرب، لا عقود عمل في دولهم فقط.