قصص الموت موجعة، ومفجعة، ومؤلمة، وكتبت فيها قصائد شعرية كثيرة، لأنها تأخذ الإنسان عن حياته، ومعظم شعراء الخليج رثوا أنفسهم، وسطروا أبياتا عن الوفاة والرحيل، بيد أن الشاعر السعودي سعد الخلاوي أخذ من الموت حياته وشعره، ونشطت قريحته يوما بعد آخر، ولم تثنه جثث المتوفين عن حبه للحياة والأمل والمستقبل. الخلاوي يعمل مسؤولا عن ثلاجة الموتى بمستشفى القيصومة التابعة لمحافظة حفر الباطن منذ ثلاث سنوات إلى قبل يومين، يستقبل ذوي المتوفين، ويقابلهم بابتسامة، ويواسيهم، ليخفف عنهم حزنهم وألمهم ومصابهم، لكنه انتقل إلى عمل آخر، مقدما عذره لأهالي بلدة القيصومة على عمله الذي تمنى من خلاله تقديم الفرح لزواره. ويقول سعد الخلاوي ل «عكاظ»: «عملت في ثلاجة الموتى ثلاثة أعوام، شاهدت فيها مناظر الموت وقسوة الفراق الأبدية على محيا مراجعي القسم الذي أعمل فيه، لكنني لم أستطع إسعاد الأهالي، كون عملي صعبا للغاية»، مشيرا إلى أن معظم الوفيات التي تصلهم كانت بسبب حوادث مرورية أو وفاة طبيعية. العمل في ثلاجة الموتى شاق للموظفين، إلا أن الخلاوي عرف بروحه المرحة، وحبه للفكاهة، حتى أنه اشتهر في «شاعر المليون» قبل أعوام ب «خفة دمه»، على العكس من زملائه الآخرين في مستشفيات عدة، ولم توح روح سعد بأن عمله بين موتى، ومهمته تسليم تصاريح دفن الجثث لأهاليها. والشاعر الخلاوي لم يسلك طريق زملائه في الكتابة عن الموت ورهبته، بل أخذ منه قوته وحبه للحياة، وظهر ذلك على قصائده، إذ يؤكد أن تأثير عمله طغى على قصائده، من خلال غياب الخاتمة فيها، «أصبحت أكتب القصيدة بلا خاتمة، ما يدل على حب الحياة والتفاؤل بالمستقبل». ويلفت سعد إلى أنه فقد نحو 50% من راتبه بعد انتقاله من العمل في ثلاجة الموتى إلى جهة أخرى في المديرية العامة للشؤون الصحية بحفر الباطن، لكنه يفتخر بخدمته لأهالي المتوفين طوال فترة عمله. ويرى الناقد والإعلامي علي المسعودي أن بيئة العمل تؤثر على النتاج الأدبي للشاعر، مشددا على أن المبدع يوظف بيئته لخدمة مشروعه. ويقول المسعودي: «سعد الخلاوي يستطيع أن يحرث التربة أو البيئة المعاشة ويمطر عليها خيالاته لتهيج بذوره الإبداعية ويحصد نتاجه الشعري»، لافتا إلى أن المبدع يمتاز بالتقاطاته واقتناصاته لما حوله، وقرار سعد بكتابة قصائد مفتوحة النهاية دليل على فكر طازج ومتفاعل وحي. وودع الشاعر سعد الخلاوي زملاءه في المستشفى أمس الأول بتغريدة عبر حسابه في «تويتر» تحمل في طياتها الحزن على فراقهم، وذيلها بعبارة مؤلمة: «كيف تستطيع أن تقول لشخص تسلمه تصريح دفن أحد ذويه، سعدت بخدمتك».