كانت الأيام تجري بسرعة فائقة دون أن تتوقف تدور بطريقة مذهلة، الأشياء بقيت كما هي أكثر صمودا أكثر قوة. عشرون عاما مضت؛ عاما إثر عام كل شيء كما هو ثابت في مكانه، عدا ملامحنا التي تغيرت أجسادنا التي قلت؛ كلما أدركنا أننا نسير نحو الحقيقة اشتعل منا الركن الأيمن من القلب يقولون إنه ركن الحكمة الذي يسبق الموت. البارحة عندما كنا معا كنت مزروعا في الماضي كان حديثك الطافر في وجه الحياة يدور عن الطفولة عن أمك عن المدن البعيدة التي عرفتك طرقاتها ووجوه أهلها أكثر من الذين عرفوك هنا عددت لي تباريح أعوامك الخمسين وقلت: يبست الأمكنة لم يعد ثم ماء ؛جف النبع؟ وأردفت، قطعوا الشجر تاه العصفور وماتت جذور الأرض؟ ثم تنهدت تنهيدة طويلة شقت سكون الكون من حولنا: كسروا الطريق أين الطريق؟ كنت دائما تمرق إلى العتمة تصنع في طريق الضباب طريقا تتحلق حول كل مشاهد الوجع تئن تتألم تدمع وكنت كثيرا ما أقول لك: لا تدر حربا قبل أن تتأكد من إمكانياتك فتتداعى الأشياء من حولك، تفقد الكلام فيسكت منك الكلام. في إحدى ثورات جنونك بعد فترة حنق بعيدة المدى كان حديثك أشبه ما يكون بشفرة حادة جاهزة لممارسة القتل لقد أخذتها قبل ذاك إلى واد غير ذي زرع فما الذي أجج في وريدك كل هذي النار؟ قلت بحدة: لم يتبق لنا إلا الصور المشوهة ومجموعة كبيرة من الجراح وكثير من الخسائر. وهاج منك الجرح وغبت طويلا قبل أن نلتقي مرة أخرى قبل أن تبدأ في طرح بذور الحزن في الطريق العام على مرأى من العابرين والمارة وقبل أن تهمس في أذني: أحبك حبا لا يتسع له الكون كانت الأسئلة معلقة على مشجب الدهشة كان الكلام أوسع من كل الكلام. تتشظى تصبح ألف قلب في رجل -واحد- مهشم تركض خلف كل شمس تظن أنها القديسة التي ستخلصك من كل اللهفة وهي التي جعلتك تدور حولك نفسك ورهنتك لبقية العمر. حاولت أن تجمع نفسك أن تتحرر من قيودها التي أحسنت حوكها عندما تفلت منك القلب. تصنع لي قاربا أعبر به بين ضفتين كلاهما مر غير أني لم أقبل ولم أمر. في الآونة الأخيرة بزغ قمر في جبينك،رست ابتسامة كأني سمعت قلبك يدندن كأني رأيت نايا يعزف وكمانا كأنك كنت تقول كثيرا: تغيبين أغيب تقصفين أوردتي أزرع لك وردا في كل الطرقات كأننا كنا طرفي نقيض إن أقبلت أدبرت وإن أدبرت أقبلت. اليوم وجدت في صندوق بريدي رسالة منك كانت مفعمة بالتفاؤل غارقة في الأمل: كل عام مر من الغياب كان حضورا قائما لا يصادر ولا يعرض نفسه للبيع هو نبض الحاضرين الذين مهما دلفوا في لجة الغياب كانوا أكثر حضورا وكنت أ ك ث ر ح ض وووووورا الربيع قادم وستركض قلوبنا نحو الأغاني الخضراء وأقلامنا لم تجف والحبر الذي يسكن في أوردتها كان كافيا لبعث كل الأموات من مرقدهم من قال يا جبل الروح أن الربيع لا يأتي؟ الذين آمنوا بالغيم أدركوا أن بالغيث تمنح الحياة وأن الحب لا يكسره الغياب. وكل ما لدينا وما في أيدينا من الهبات يستحق أن نمنحه الثمر النابت في جوانحنا من الحب وإن حدنا عمدا إلى النسيان. واكتفيت.