لم يكن سكان خليج سلمان والمهتمون بالبيئة في حاجة لمن يضاعف مأساتهم بشأن زيادة التلوث البحري في الخليج، واستحالة تضميد جراحهم في الوقت الحالي، بعد أكثر من 15 عاما قضوها في البحث عن حلول تعيد للبحيرة مياهها الدافئة وأسماكها المتلألئة مع أشعة الشمس. وبعد أيام قليلة من الجأر بالشكوى مجددا، وتجديد صرخة الاستغاثة، فوجئوا بما اعتبروه «صب الزيت على النار»، ممثلا في رد أمانة جدة، بأنها تراقب الوضع في الخليج بالأقمار الصناعية، الأمر الذي اعتبروه استفزازيا وغير مسؤول (حسب قولهم)، بل ويعيدهم إلى نقطة الصفر، متهمين الأمانة بأنها المسؤولة المباشرة في تردي الأوضاع في خليج سلمان، وتحوله من ملاذ آمن لأهالي جدة إلى كارثة بيئية تبحث عمن يعالجها. ولم يتردد الأهالي في رفع شكوى عاجلة لجهات عليا (تحفظوا على ذكرها)، طالبوا فيها بمحاسبة المسؤولين في أمانة مدينة جدة لمسؤوليتهم المباشرة عن هذه الأوضاع في الخليج، بعد أن أقفلت مداخل الخليج الثلاثة، ليصبح بحيرة طينية عفنة وشديدة الملوحة، الأمر الذي قضى على 95% من الحياة الفطرية من أسماك وشعاب مرجانية، زاعمين (حسب قولهم) أن هناك مخططات لدى أمانة جدة تثير الكثير من التساؤلات والاستفهامات. «أصبح موبوءا» هكذا كان وصف أقدم مستثمر في خليج سلمان السفير خالد الصويغ، الذي يفتخر بأنه «أول من وضع حجرا في خليج سلمان قبل 51 عاما، ثم جاء البقية من بعدي (...) وكنت أسبح في مياهه النقية فأشاهد الأسماك بكافة أنواعها في قاعه، أما اليوم فقد أصبح موبوءا ولذلك لم أذهب له منذ سنتين». وأضاف الصويغ: «رفعت الأمر قبل ثلاث سنوات لإمارة منطقة مكةالمكرمة، محذرا من موت الحياة الفطرية بعد أن أصبحت مياه الخليج شبيهة بمياه السيول، فأحيلت المعاملة للأمانة التي شكلت لجنة من الدفاع المدني والأرصاد ولم نجد لها أثرا بعد ذلك، وصدق من قال إذا أردت أن تميت موضوعا فشكل له لجنة!». أما المستشار أحمد الحمدان عضو لجنة الملاك، فيعتبر ما نشر أخيرا حول تلوث خليج سلمان بمثابة صوت استغاثة، لكن الأمانة بردها عليه، حاولت كتم الصوت، «وذر الرماد في العيون»، وذر التراب في الخليج. مطالبا بمحاسبة المتحدث الإعلامي بأمانة جدة، ليثبتوا حقيقة أن الأمانة تراقب الوضع عبر الأقمار الصناعية. وأضاف: «نحن نتابع الوضع ونرفع أصواتنا لإنقاذ الخليج منذ 15 سنة دون أن يسمع لنا أحد، وما حدث من نتائج وتراكمات أدت لقتل البيئة البحرية وتنامي التعديات إدانة علنية لأمانة جدة ومتحدثها الرسمي». واستعرض رئيس لجنة الملاك أحمد عاشور عددا مما اعتبرها أوراق الإدانة ضد أمانة جدة، محملا إياهم المسؤولية الأولى لما حدث من تلوث بسبب سماحها للمنتجعات السياحية بإغلاق مداخل الخلجان مقابل تعهدهم الشفهي غير الملزم بإعادة فتحها وإنشاء جسور لها دون تحديد الفترة الزمنية المفترضة لذلك، التي مضى عليها الآن أكثر من 20 عاما دون متابعة من الأمانة لأصحابها، إضافة لعدم التخطيط المناسب لتطوير خليج سلمان وإعادة فتح وتعميق المناطق والمداخل وتكليف الجهات المختصة بتنفيذها ضمن مشاريعها. وأكد عاشور أن السماح للشركة المخالفة (تحتفظ «عكاظ» باسمها) بإغلاق القناة الغربية واستعمال شاطئ القناة على امتداد ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر، ووضع الشركة لمعداتها طيلة السنوات الثماني الماضية تسبب في زيادة نسبة التلوث في الخليج جراء الزيوت والشحوم التي تسربت مع الفضلات الآدمية لمساكن عمالها، وكذلك عدم قيامها بمراقبة الخليج، إذ تقوم بعض المصانع والملاحات ومحطات التحلية بإلقاء مخلفاتها في الخليج بكل استهتار. واستغرب بشدة عدم تعاون الأمانة مع لجنة خليج سلمان في تمديد تصريح تعميق القناة، الذي تبنته اللجنة على حسابها، وعدم تكليف أي جهة مختصة بإبعاد الشركة المخالفة عن المجرى المائي لكي يتمكن المقاول الآخر من القيام بعمله، وزاد الطين بلة رفض أمين مدينة جدة لقاء أعضاء اللجنة بعد أن تقدموا بطلب لقائه أكثر من مرة، التي تضم في عضويتها عددا من المسؤولين. لافتا إلى حجم الاستخفاف بالعقول الذي انتهت إليه الأمور بتصريح المتحدث الإعلامي الأخير، ما يدين موقفهم اللامسؤول وغير المبرر (حسب وصفه). نسخة كربونية من بحيرة الأربعين وصف الدكتور إبراهيم عالم وكيل أمانة جدة السابق، ما حدث في خليج سلمان أنه نسخة كربونية من بحيرة الأربعين، مؤكدا أن الملوحة في انخفاض شديد ومتزايد كما أن الثروة السمكية تأثرت بشكل مباشر بعدم دخول الأسماك للخليج وبطريق غير مباشر للاستخدام الإنساني على البحيرة وإغلاقها تماما. وعبر عن أسفه لتنامي التمدد الأفقي في الخليج في ظل وجود مساحات كبيرة تساعد على التمدد العمودي حتى لو كانت مكلفة في البداية لأن كلفة تعديل التمدد الأفقي حينها ستكون أكبر بكثير مما نتوقع. واعتبر تصريح المتحدث الإعلامي بأمانة جدة، حول المراقبة بالأقمار الصناعية، بأنه «أشبه بمن رأى البدر ليلة الخامس عشر ويريد أن يصعد إليه (...) وما يحدث حاليا هو أن الأمانة تراقب المريض وتنتظر وفاته لتحول البحر بعد ذلك إلى تراب»، لافتا إلى أن الذين استفادوا من خليج سلمان هم أصحاب الواجهات البحرية فقط. قتلناه بأيدينا..حتى المهاجرة غابت تحسر الدكتور محمد عرفان عضو لجنة الملاك على اللوحة الجمالية التي كان يتمتع بها خليج سلمان الممتدة على مساحة تصل إلى 60 كم، وتعد أكبر من بحيرة جنيف، لكنها (حسب قوله) دمرت بأيدينا. واسترسل في تذكر الماضي، عندما «اشتريت أرضي قبل تسعة وعشرين عاما، وحينها كان الشباب يتمتعون بممارسة رياضتين هامتين لا يمكن ممارستهما إلا في مياه خليج سلمان، هما رياضة الشراع والتجديف، واللتان قضي عليهما تماما بعد إغلاق المياه عن الخليج، بالإضافة إلى موت الحياة المائية للطيور المهاجرة التي كانت تأتي كل عام من شمال أوروبا إلى الجنوب الدافئ لكنها انقطعت نهائيا الآن، مبينا أن أهالي ذهبان أيضا تضرروا كثيرا من توقف الحياة في الخليج حيث كانوا يسترزقون من صيد السمك في مياهه، وكذلك من صيد الطيور البحرية مثل السمان وغيره». وقال بحزن: «رغم المحاولات العديدة التي قام بها الملاك الذين يملكون 10% فقط من أراضي الخليج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على مدى عقد ونصف العقد، لكنهم لم يجدوا أي استجابة من أمانة مدينة جدة ليتحول شاطئ خليج سلمان الذي كان يتوقع أن يكون ملاذا لكل سكان مدينة جدة بعد تملك الشاطئ الشمالي لأبحر بالكامل، إلى بحيرة عفنة وطاردة للبشر والطيور والكائنات البحرية». وأوضح أن «مساحة المائتي متر في مدخل الخليج حسب صك الأرض كانت منحة، لكن الشركة المخالفة التي يملكها أحد كبار رجال الأعمال اقتطعت لنفسها نصف هذه المساحة لعمل الورش الخاصة بهم». 4 حلول جاهزة.. ولكن للأمانة رؤية أخرى حذر الاستشاري البيئي المهندس أسامة قربان من خطورة البطء في إجراءات المعالجة للوضع في خليج سلمان، مطالبا بالتحرك العاجل من قبل الأمانة والجهات الأخرى المعنية بالقضية بعد أن أصبح الخليج شبه مغلق، وارتفعت فيه نسبة التبخير خصوصا في الصيف أكثر من عملية إمداده بالمياه، وارتفعت أيضا ملوحته لمعدلات عالية حيث تحتاج كخطوة أولى تخفيفها لثلاث مرات لكي تعود الملوحة الطبيعية للخليج. واقترح المهندس قربان أبرز أربعة حلول تحتاج إلى تحرك جاد بدء من قيام أمانة جدة بالإسراع في تنفيذ المخطط العام للخليج، وفتح القناة الشمالية من جهة «درة العروس» المرتبطة مع جزيرة البديعة بالإضافة للقناة الجنوبية من درة العروس مع المخطط المتوقع للمناطق الجنوبية، بحيث يرتبط الخليج بقرية البحر الأحمر ومدينة البحيرات، بالإضافة لعمليات تنظيف وتعميق للخليج من الرسوبيات الملحية والطمي، وكذلك رفع التعديات على إحدى قنوات الخليج، مبينا من خلال عضويته في لجنة حصر الأملاك على الشواطئ وصول نسبة التملك في خليج سلمان إلى 100%. وأضاف «من خلال دراسات الوضع البيئي لمحافظة جدة التي شكلت من قبل إمارة منطقة مكةالمكرمة والتي شاركت فيها لأخذ بعض القياسات انعدمت الحياة البحرية للكائنات الأساسية الموجودة في البحر الأحمر بسبب عملية المد والجزر خصوصا في القاع ولم تتمكن سوى الأسماك الصغيرة من الدخول في الطبقة السطحية والعودة مرة أخرى». وأوضح قربان (الذي عمل استشاريا في رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، وعضو في اللجنة السداسية) أنه اطلع على مشاريع تطوير المنطقة الساحلية خصوصا المخطط التصوري الذي وضعته أمانة مدينة جدة لتطوير منطقة خليج سلمان والذي مضى عليه أربع سنوات تقريبا ولم ينفذ، لافتا إلى أن اللجنة طالبت بالإسراع في تنفيذ هذا المخطط لرغبة بعض ملاك الأراضي في الخليج تطوير الواجهة البحرية، ولكنه اكتشف أن هناك رؤية أخرى لدى الأمانة وبعض الجهات المسؤولة بحيث يتم تعميق مياه الخليج وتطويره ليرتبط بالخط الساحلي الذي يمر مع المخططات الجديدة 2 في الشمال ليمر من وسط الخليج أيضا من خلال إنشاء بعض الجزر الداخلية. وقال قربان إنه نصح المطور أن يفتح الخليج من الناحية الجنوبية ليرتبط مع مدينة البحيرات ليزيد عملية تبادل المياه في الخليج، لكن الملاك طلبوا منه أن يعد الخطة العامة ويعرضها عليهم في مقابل أن توضع خطة لتطوير خليج سلمان وبناء عليها يتم فتح المياه على الخليج، موضحا أن فتحها الآن سيتسبب في دخول كل الملوثات للخليج وإنه ما زال في انتظار صدور الموافقة على هذا المخطط.