حذر أخصائيون ومسئولون من شدة التلوث البيئي الذي تعرضت له سواحل جدة وعمق البحر مما أثر على المياه والأحياء البحرية والشعاب المرجانية ونتج عن تراكمات عبر فترات زمنية طويلة. وأشاروا ل "الرياض" إلى صعوبة القضاء على مصادر هذا التلوث لعدم التزام الجهات الحكومية بلوائح وقوانين المحافظة على البيئة البحرية مما جعلها سببا رئيسيا وراء 70% من تلوث المنطقة البحرية. وطالبوا الاهتمام بمثل هذه القضايا البيئة التي تعاني منها شواطئ جدة وإيجاد آلية قوية لإيقاف تلك الأجهزة مؤكدين حاجة الشواطئ إلى 15سنه لإزالة الأضرار البيئية التي لحقت بها شريطة أن يتم إيقاف مسببات التلوث. "سواحل غير آمنة" في البداية أكد وكيل شئون البيئة في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الدكتور أحمد عاشور أن مخلفات الصرف الصحي والصناعي أدت إلى تلوث شواطئ محافظة جدة وأثرت على الأسماك حتى أصبحت سواحلها غير صالحة للصيد وما يصطاد منها لا يصلح للاستهلاك الآدمي. وأتهم عاشور الإدارات الحكومية بأنها وراء 70% من تدهور بيئة البحر الأحمر وسواحل جدة لأنها لم تلتزم بمعايير المحافظة على البيئة البحرية ولا تعتزم إيجاد معالجة لهذا الوضع حتى أصبحت السباحة غير آمنه على طول 130كيلومتراً من شمال جدة إلى جنوبها حيث تشبعت مياه البحر بكميات كبيرة من مياه الصرف الصحي الذي أصاب الشواطئ وأثر على بيئة البحر الأحمر. وأضاف أن من العوامل التي أثرت على شواطئ جدة التطور والتقنيات والصناعات الحديثة وما ينتج عنها من مخلفات تقذف في مياه البحر مما أدى مع مرور الزمن إلى تلوث الشواطئ كما أن أكثر من 174ماسورة مياه صرف صحي تصب من جدة في مياه البحر بشكل منتظم مما أدى إلى تدمير الشواطئ وكأننا دولة غير قادرة على أنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الصحي والاستفادة منها في مواقع أخرى بالإضافة إلى استغلال واستهلاك أكثر من 40% من الثروة السمكية خلال الخمسين سنة الماضية وهذا مؤشر اقتصادي خطير حدث نتيجة عدم إيجاد نوع من التوازن بين الاستهلاك للثروة السمكية وبين النمو السكاني وإذا استمر مثل هذا الوضع سيشكل خطورة أخرى على البيئة البحرية. وأشار عاشور إلى أن الأجهزة والآلات المستخدمة في الصيد كشباك الجرف الكبيرة ساهمت في جرف الأسماك الصغيرة والكبيرة معا مما يتسبب في القضاء على الثروة السمكية كما جرفت الشعاب المرجانية التي يصعب إيجاد بديل كما دمرت الكثير من مناطق نباتات الشورى "المنجروف" نتيجة اعتماد مثل هذه الأساليب الخاطئة في الصيد حيث دمرت مناطق نباتات الشورى منطقة ثول وحرم الصيادين من منطقة كانت تتواجد فيها الأسماك بكثرة. وأوضح عاشور أن البحر الأحمر يعد من أغنى البحار وأكثرها بالثروة السمكية وتنوع الشعاب المرجانية التي لا يوجد لها مثيل في كثير من أنحاء العالم وبالتالي يعتبر ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها حيث يعتبر قناة مقارنة بغيره من البحار والمحيطات الأخرى حيث يتراوح اتساعه بين 30كيلومتراً و 200كيلو متر بالإضافة إلى وقوعه بين مضيقي قناة السويس وقناة باب المندب مما يؤدي إلى ضيق في تبادل المياه فيه وعدم تغيرها في مواقع أخرى إلا بعد مرور 25سنة مما يزيد من خطورة تلوثه من السفن المحملة بمواد مختلفة وما ينتج عنها من تسريبات لان تلك المضايق تعتبر طرقا رئيسية لها. وأكد عاشور أن المقام السامي شكل لجنة من 7وزارات وتم إعداد بعض التوصيات الهامة لمعالجة هذا الوضع ولكن للأسف لم تفعل بشكل صحيح لعدم التزام الجهات الحكومية بها مشيرا إلى أن الرئاسة ليست سلطة تنفيذية لتواجه المخالفين وتوقع العقوبات عليهم . واعتبر عاشور أن شواطئ جدة أصبحت خطرة جدا وفي حالة تدهور حيث أن أكثر من 90% أصبحت مملوكة للجهات الحكومية وللأفراد ومثل هذا الأمر لا يحصل في أي بلد في العالم فالتملك على البحر يفترض ألا يتجاوز 10% لذلك فإن نسبة التملك الكبيرة على شواطئنا يعطي مؤشرا بوجود خلل وان التنظيم الإداري غير جيد ويجب أن يكون هناك توجيه صارم وصحيح من ولي الأمر بعدم تملك واستغلال الوجهات البحرية. وأضاف أن هناك تعليمات كثيرة وأوامر من ولي الأمر لكن للأسف تأتي استثناءات فالأرض التي خصصت لجامعة الملك عبدالله التي تضم إدارة علمية هندسية تعني بالبيئة البحرية كان يفترض أن تبتعد مسافات معينة عن مواقع ومناطق نباتات الشورى "المنجروف" التي تعتبر مصدر ضخم للثروة السمكية ولكن ما حدث عند البناء أنه تم جرف مناطق النباتات وتدميرها وطمرها بدلا من العناية بها ورغم وصول توجيه بالابتعاد عن الشاطئ عند تنفيذ مشروع الجامعة إلا أن ذلك تم بعد تدمير البيئة. وأكد عاشور أن الأسماك التي تعيش علي شواطئ جدة أصبحت ملوثة حيث تم أخذ عينات منها وثبت أنها ملوثة كما رصدت بعض المواد والمعادن في الأسماك التي تصطاد في مياه عميقة بعض الشيء وهذا يدل على أن الأسماك بشتى أنواعها في محافظة جدة وعلى طول 130كيلومتراً غير صالحة للاستعمال الآدمي إطلاقا، كما أن النزول للسباحة في هذه الشواطئ مضر بالإنسان مع استمرار التلوث وقد طلبنا من الأمانة وحرس الحدود وضع لوحات تحذيرية بعدم السباحة في مناطق كثيرة حددناها ومن هذه المناطق منطقة الكورنيش المواجهة لفندق الإنتركونتنتال ومنطقة الكورنيش الأوسط إلى ما بعد بحيرة النورس كما حددنا بعض المناطق غير الصالحة للسباحة في أبحر وخليج سلمان بعد ثبوت تلوثها كما حددنا حوالي 35كيلومتراً غير صالحة للسباحة في جنوبجدة نتيجة لمياه الصرف الصحي والصناعي التي تصب في تلك المنطقة. وأشار عاشور إلى أن شواطئ جدة أصبحت تمر بوضع مأساوي نتيجة عدم التجاوب مع الدور الرقابي والتوعوي والتنظيمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة من قبل الجهات والمؤسسات المختلفة كما أن الرئاسة لا تستطيع السيطرة على الوضع لان الخصم هو القاضي حيث أصبح من الصعب التفاهم مع الجهات الحكومية وإيقاف اعتداءاتها على بيئة البحر الأحمر في ظل عدم الالتزام بالأنظمة وغياب التخطيط الصحيح. "إيقاف مصادر التلوث" ويشير الأستاذ في بكلية علوم البحار والخبير البيئي الدكتور علي عدنان عشقي إلى أن تلوث بيئة البحر الأحمر وشواطئ محافظة جدة وتنوع مصادره حقيقة علمية حيث أثبت الكورنيش الجنوبي ومنطقة الخمرة أن مدينة جدة في مقدمة مدن العالم من حيث تلوث شواطئها وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، كما أن وضع الكورنيش الشمالي لا يقل خطورة عن الجنوبي. ويؤكد عشقي أن مصادر التلوث متعددة المياه الجوفية التي تحول لون مياه البحر إلى البني كما أن زيادة ضخ مياه الصرف الصحي ستؤدي إلى تغيير النظام البيئي من نظام بيئي بحري إلى نظام مياه عذبة لذلك من المتوقع مع مرور الزمن أن تتكون مقومات بيئة جديدة من حيوانات واسماك بحرية وحشرات ونباتات وطيور وستتغير الصورة البيئة للبحر الأحمر على شواطئ جدة وسيزيد البعوض. وأضاف أن هناك حلولاً أولها توفر النية الصادقة للقضاء على مصادر التلوث ولما نتكلم عن البعوض علينا إن نتذكر حمى الملاريا وحمى الضنك والوادي المتصدع ناهيك عن وجود أنواع جديدة ومتعددة من الحشرات. وحذر عشقي وزارة المياه من سكب نحو 3ملايين متر مكعب من المياه المعالجة يوميا في البحر بالقرب من ميدان النورس بعد إنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحي في الركن الجنوبي الشرقي من مطار الملك عبد العزيز مشيرا إلى أن انقطاع الكهرباء عن المحطة ليوم واحد أو حاجتها إلى صيانة لمدة عشرة أيام يعني أن نحو 30مليون متر مكعب من المياه غير المعالجة ستلقى في البحر مما يؤدي إلى كارثة بيئية كبيرة. واستغرب عشقي بناء محطة بهذه الطاقة الاستيعابية وقدرة على المعالجة الثلاثية في مواقع صحراوية وتحويلها إلى غابات للاحتطاب والزراعة ونكسر هذا التوجه الدائم إلى البحر مطالبا إعادة النظر في وضع هذه المحطة التي ستزيد من مشاكل بيئة البحر الحمر وقال: إذا أردنا الحفاظ على بيئة البحر الأحمر وشواطئنا فعلينا تحمل بعض الخسائر التي خسرناها في سبيل تفادي كوارث بيئية كبيرة ومبالغ مالية ضخمة في المستقبل. "مياه سامة" ويضيف عميد كلية تصاميم البيئة الدكتور حسني محمد أن بيئة البحر الأحمر وشواطئ محافظة جدة تعاني من تلوث متشعب له أسباب كثيرة نابعة من بعض الجهات الحكومية والخاصة التي جعلت مياه البحر مستودعًا لكل ما هو سام من المخلفات ومياه الصرف الصحي التي لها مساوىء وسلبيات كبيرة على الحياة البحرية حيث بدأت أعداد الأسماك في تتناقص ، كما أن للمتنزهين على الشواطئ دوراً كبيراً في هذا التلوث حيث يقومون برمي الفضلات المضرة والمؤثرة على تواجد وتكاثر الأسماك بالإضافة إلى عمليات الردم والتجريف التي سببت أضراراً كبيرة للشعاب المرجانية. "مخاطر صحية" ويشير استشاري الأمراض الباطنية الدكتور علي مهجع إلى أن الأسماك التي تربى في مصب المجاري في البحر وغيره تحوي موادا ملوثة وجراثيم ومكروبات تؤدي إلى تغيير بنيتها مما ينتج عنه اسماك مريضة وضارة بالإنسان لأنها مشبعة بالسموم التي تحدث أحيانا تسمماً بدرجات شديدة. وأضاف أن الأسماك التي تنمو في بيئة قذرة تصبح سريعة العطب وتتحول بعد ساعات قليلة إلى مادة فاسدة تسمم الإنسان عند تناولها وقد تودي بحياته كما ثبت أنها تصيب أحشاء الإنسان وجهازه الهضمي وجلده بأمراض خطيرة قد تؤدي إلى الضغط والغيبوبة. وينصح مهجع بتشديد الرقابة على مصادر الصيد وتخزينها وإيقاف مسببات التلوث على شواطئ جدة والمواقع التي تتكاثر بها الأسماك ومضاعفة جهود الوقاية الصحية من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات الخاصة وتنظيم جولات مشتركة بين تلك الجهات على الشواطئ ومواقع صيد الأسمال ومواقع تخزينها ومكان عرضها. "انقراض الأسماك من الشاطئ" من جهتهم أجمع صيادون في سوق السمك على انقراض الأسماك من الشواطئ القريبة لقلة الغذاء والتدمير الذي أصاب الشعاب المرجانية التي كانت تتواجد بها الأسماك بسبب الردم والتجريف الذي يقوم به البعض مما أثر تأثيرا كبيرا على البيئة البحرية لشواطئ جدة. وقال جمال أمين إن مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية التي تلقى في البحر أدت مع مرور السنين إلى انقراض الأسماك وإصابتها بالأمراض مما اضطر الصيادين إلى الإبحار في مواقع بعيدة من البحر لاصطياد اسماك سليمة ورغم ذلك لا يتحصلون على الكميات المطلوبة. "إقبال على الأسماك المستوردة" فيما يشير المواطنون علي الحربي ومحمد الوادي وعبدا لله الشهري إلى قلة إقبالهم على شراء الأسماك التي تصطاد من شواطئ جدة عن طريق بعض الصيادين الذين يثقون بهم خوفا من التلوث الذي أصاب بيئة الشواطئ. وأضافوا أن إقبالهم تزايد على شراء الأسماك من بعض شواطئ الجزيرة العربية وسلطنة عمان لانها مازالت آمنه . وطالبوا الجهات الحكومية بضرورة المحافظة على ما تبقى من البيئة البحرية والشعاب المرجانية والمحافظة على سلامة الأماكن والمواقع التي تتكاثر بها الأسماك. "مشروع للإصحاح البيئي" ويؤكد أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه على وجود مشروع مشترك لمجموعة من المؤسسات الحكومية التي لها علاقة بالبيئة يتم من خلاله مراجعة الإصلاح البيئي والأدوات التي تستخدم والتحديات التي تواجه مدينة جدة والبحث عن الحلول اللازمة لتصحيح الوضع البيئي. وأضاف أن الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة يشرف شخصيا على المشروع والبرامج لمواجهة التلوث والحد من مصادره ومسبباته مشيرا إلى أن الأمانة بذلت جهودا مختلفة لإزالة كافة مصادر التلوث حول سوق الأسماك وعملت على تحويل بعض نواتج محطات الصرف الصحي من الشمال إلى الجنوب بمحطة الخمرة كما بذلت جهود لإزالة تلوث البحيرتين. وأعتبر عدم رمي كافة المخلفات في مياه البحر الخطوة الأولى للوصول إلى بيئة نظيفة لكافة شواطئ جدة.