أضاء شاعرنا الراحل محمد الثبيتي أسئلة القصيدة في عروق الثرى وفي حلوق المصابيح وظل مخلصا لتجربته الشعرية والتي أشرقت منذ صدور ديوانه الأول (عاشقة الزمن الوردي) مرورا بديوان (تهجيت حلما.. تهجيت وهما) وديوانه الأهم (التضاريس). ولعل المتتبع للرحلة الإبداعية لسيد البيد يعثر على تنوع كبير سواء على المستوى الأسلوبي أو على مستوى الرؤية وكذلك اللغة الجديدة.. وتقول الناقدة منى شداد المالكي إن الثبيتي يعد رائدا للحركة الشعرية الحديثة في المملكة في فترة الثمانينات الميلادية، متجاوبا مع روح التجديد التي هبت على الشعر العربي الحديث، فظهرت قصائده محملة بالنفس السردي. وتضيف المالكي: عندما يسكن أحلامك شخص تغدو الحياة لحنا متجددا بالفرح والسلام، كيف بمن يسكن الذاكرة ويكون شاعرا بحجم محمد الثبيتي، لن أتحدث عن تجربة الثبيتي الشعرية، فالكل قد تحدث وتحدث وكتب وقال، ما سأتناوله هو جانب آخر عشته ومازلت وسأظل، ما سأكتب عنه هو الحياة مع نصوص الثبيتي وشعره لتغدو الحياة حيوات متصلة، وبقدر ما تسعدك فهي تفسد أيضا عليك أي حياة أخرى! نعم، ستصاب بما يشبه اللعنة، فأنت لا تسمع غير صوته مع كل نص شعري تقرأه، أو تتناوله نقدا، تشعر به على طرف القصيدة هناك ينظر إليك وتنزل بركاته بالسلام عليك إذا رضي عنك، وتلاحقك لعناته إذا كان ما بين يديك هو مسخ لقصيدة! تقول الناقدة المالكي: إن الشاعر الثبيتي يستنطق الكثير من الشخصيات التاريخية والأسطورية التي تتمتع بحضور كبير في ذهن ووعي المتلقي وقد تباين تعامله مع هذه الشخصيات فمنها ما جعله قناعا وتحدث بلسانه ك(عراف الرمال)، ومنها ما ظل يسير بموازاة صوت الشاعر مثل (البابلي)، فهو صانع شخصيات تميزت بالثراء من حيث إنها شكلت محركا للرؤية. وتعامل الثبيتي مع الشخصيات كعنصر رئيس من عناصر التشكيل السردي داخل النص الشعري من خلال تشظيها في الأسطورة، فلا تغدو شخصيات تأريخية، بقدر ما هي شخصيات أسطورية تتلبس الدلالات من خلال النص مثل: عنترة، معن بن زائدة، حاتم الطائي، سليك بن السلكة، البابلي، الفرس، القرين، فشخصيات محمد الثبيتي غامضة ومرهقة عند قراءتها، والنص هو مفتاح الشخصية لديه والتي يتعامل معها بارتباط غير مألوف ليتحول إلى صانع أساطير جديدة، ولينتج كائنات تفاجئنا حقائقها الشعرية، وإن كنا لا نجهل أسماءها وملامحها التأريخية. وتختم منى المالكي: الثبيتي إنسان شاعر والاحتفاء به هو احتفاء بإنسانيته التي أضحت قضية شعرية، فمحمد لم تكن القصيدة لديه حالة انتشاء أو رغبة أو تلذذ فقط كانت قضيته مع الإنسان والشجر والحجر والصحراء والرمل، كان إنسانا شاعرا بحق، فسلام عليه، سلام عليه.