كلما تجولت في شوارع وأحياء مكةالمكرمة يرن في أذني وعد أميرها بنقلها إلى العالم الأول، وهو وعد يحمل إرهاصات تحقيقه تحت إبطيه، فالمدينة مقصد الملايين من المسلمين طوال العام، وتعتبر منطقة استثمارية جاذبة بكل المقاييس، وتعجب إذ ترى عزوف رجال الأعمال المحليين عن اغتنام فرص الاستثمار فيها، أو حصرها في منطقتها المركزية. والحقيقة أن لمدينة مكةالمكرمة إشكالية فريدة من نوعها بين بقية مدن المملكة، فهي مدينة سكنية كغيرها لها متطلباتها الخاصة، وهي مدينة حج وعمرة بما يتطلبه ذلك من خدمات إضافية، مما يشكل مجالا رحبا لاستثمار القطاعين العام والخاص، فكل ريال يصرف في مكة وعلى مكة له مردود عال آجل أو عاجل للقطاعين. تجد تقريبا كل الجهات الحكومية تعمل لأجل مكة، بالخصوص خلال موسم الحج، غير أن رابطا ما مفقود بينهم، وجود الهيئة العليا للحج خفف كثيرا من غلواء التعارض بين هذه الجهات، لكن يظل عملها موسميا ومختصا بتسهيل وتسيير أمور الحج. هناك مشاريع لأمانتها لا تعلم عنها وزارة النقل، ومشاريع النقل قد لا تعلم عنها وزارة البلديات، وهذه لا تعلم عن مشاريع وزارة الكهرباء والماء، وهكذا مع بقية الجهات كالمرور والدفاع المدني وغيرهم. وجود هيئة تطوير مكة بنسختيها القديمة والمحدثة لم يغير من الواقع كثيرا، وصحيح أن الإمارة تبذل قصارى جهدها لتنسيق مشاريع التطوير المتعددة وربما المتعارضة، إما زمانا أو مكانا، لكنه جهد يحتاج جهة متخصصة متفرغة بدوام كامل. لذا ابتهلها فرصة مع صدور الميزانية الجديدة، وانطلاقا من الاهتمام الكبير الذي يوليه ولي الأمر لمكة، وانطلاقا من حلم أميرها الممكن بجعلها في ركاب العالم الأول، للمطالبة بإنشاء هيئة عليا لتطوير مكة برئاسة أميرها، على غرار الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، تضم خبراء محليين وعالميين لوضع «ماستر بلان» لمكة للعقدين القادمين أو أكثر، لتكون بوتقة تصهر جميع المشاريع العامة والخاصة في حزمة تطويرية واحدة، ودعوة المستثمرين محليين وعالميين لاغتنام فرص تطويرها كمدينة سكنية تحتاج الكثير من الوحدات السكنية لتعويض ما تهدم من أحيائها بأسعار معقولة تحقق الربح للجانبين، تحتاج بنية تحتية قادرة على تحمل ملايين السكان والزوار، وإلى شوارع فسيحة لاستيعاب حركة كل هؤلاء. كل ما يحتاج المستثمر خططا واضحة وبيئة استثمار آمنة وشفافية في الطرح، وإلا فإن الرأسمالية البشعة ستعمل آلتها في عرصات مكة دون أدنى اعتبار لتاريخ وحضارة وخصوصية البلد الحرام، وستحولها لقرية سياحية يأتيها الحاج والمعتمر ويغادر دون أن يعرف شيئا عن هذا التاريخ وهذه الحضارة.