كان وقع كارثة حريق مستشفى جازان، قاسيا على قلوب كثيرة، فأن تشتعل النار في مكان أغلب من فيه عاجزون عن الحركة مقيدون إلى أسرتهم، أمر مخيف للغاية، وإذا كان التقيد بشروط السلامة والتدرب على الإخلاء السريع ملزما في الأماكن التي يكون الناس فيها قادرين على سرعة الحركة والتنقل، فإنه في مثل هذه الأماكن يكون أشد إلزاما وأكثر ضرورة. ليس هناك ما هو أقسى من أن يموت الناس محتجزة في مصيدة، يطوقهم اللهب ويخنقهم الدخان وهم عاجزون عن التحرك، يغمرهم الظلام حيث لا إضاءة احتياطية، ولا مخارج متاحة للطوارئ، حقا إن الحياة والموت بيد الله سبحانه، وأن لا أحد يموت قبل حلول أجله، إلا أن حرقة الشعور بالتقصير في أخذ الحيطة والاستعداد للكوارث، تظل تغرس أنيابها في القلب كطعنة خنجر، وجعها مرير، يعصر الكبد لوعة. حين قرأت تغريدة وزير الصحة المدونة على حسابه في تويتر، التي يعلن فيها تحمله مسؤولية ما حدث وأن القدر الأكبر من المساءلة حول حريق مستشفى جازان العام تقع عليه شخصيا قبل أي أحد باعتباره المسؤول الأول عن قطاع الصحة، وأنه يدرك أن واجبه يقتضي تحمله مسؤولية تشخيص الخلل وعلاجه ومحاسبة المقصرين والحيلولة دون تكرار مثل هذا الحادث الأليم. حين قرأت ذلك قلت في نفسي ماذا بقي ليقال بعد هذا؟ لقد سبق الوزير كل أحد ليعلن بشجاعة تبعث على الاحترام تحمله مسؤولية تلك الكارثة، ولم يحاول التملص منها أو الإلقاء بها على غيره، وأظن أن هذه أول مرة نجد فيها مسؤولا يعترف بالخطأ ويتحمل كامل المسؤولية عنه، ولعلها بداية عهد جديد ومنهج مختلف شرع في سنه المهندس خالد الفالح. بعد هذا، ليس لنا سوى أن ننتظر الخطوة التالية التي ستتخذ لمنع تكرر وقوع مثل هذه الكارثة، فهذا ما يهم الناس، وهذا ما يترقبون سماع شيء عنه، خاصة أن ما يقال عن القصور في خدمات الطوارئ في المستشفيات كثير جدا، فالأمر ليس محصورا في مستشفى جازان، فهناك مئات المستشفيات التي قد يكون وضعها مماثلا لوضع هذا المستشفى، في حاجة ملحة وعاجلة لاتخاذ تدابير الاستعداد الجيد لعمليات الإخلاء السريع في حالة الطوارئ.