لم يتمكن محمد عيسى عميش من إيقاف جداول دموعه الساخنة، حزنا وكمدا على فراق أخته «خديجة»، إحدى ضحايا مستشفى جازان المنكوب، بعد أن ودعها لترافق والدتهما في الغرفة 208 بالدور الثالث، ولم يكن يعلم أنه الفراق الأخير، تحاصره صرخات احتضار أخته وهي في وسط الحريق «أنقذني يا محمد». محمد روى تفاصيل الليلة الحزينة ل«عكاظ»، بينما امتنع أخوها الكبير يحيى عن الحديث بسبب حالته النفسية السيئة. يقول محمد: عشت ليلة عصيبة لم تمر علي طوال حياتي، فقد كانت خديجة أختي إحدى ضحايا تلك الليلة السوداء، وبدأت القصة عندما تنقلت بوالدتي بين عدة مستشفيات إثر معاناتها مع مرض تليف الكبد المزمن، إلى أن استقر بنا الحظ العاثر بمستشفى جازان العام عند التاسعة مساء في نفس ليلة الحريق، وبعد أن أنهيت الإجراءات اتصلت بأختي الصغيرة لمرافقة والدتي، إلا أنها لم تتمكن الحضور، فتواصلت مع أختي خديجة التي تسكن في «ضمد» مع زوجها، ولديها ثلاثة أبناء، وجاءت على الفور، فودعت أمي وأختي ولم أكن أعلم أنه الوداع الأخير، وأن ما يفصلني عن الكارثة أربع ساعات توجهت فيها لمنزلي. ويضيف: ما إن خلدت للنوم حتى أفزعني الاتصال الأخير من المرحومة خديجة عند الساعة الثانية صباحا، ولم أدر أنها الفجيعة تنتظرنا جميعا، وإذ بصرخات عالية منها «أنقذني.. أنقذني.. أنا في وسط حريق كثيف والظلام يعم المكان»، فانطلقت مسرعا للمستشفى، وحاولت الدخول من أبواب الطوارئ إلا أن إصابتي بحساسية الصدر منعتني من الوصول بسبب كثافة الدخان الذي غطى الطوارئ، فأعادني أحد المتطوعين وطلب مني العودة وعدم المخاطرة بحياتي، فتوجهت إلى سيارات الإسعاف، وبعدها بلحظات وصل أخي أحمد الذي خاطر بحياته، ودخل للغرفة فوجد أختي صريعة ملقاة على الأرض، مع ثلاث من المرافقات، فحمل أمي على الكرسي وكانت لديها حالة تشنج، إلا أنها ظلت على قيد الحياة رغم بقائها ساعة ونصف الساعة داخل المستشفى وسط الدخان، وتم نقلها لمستشفى العميس وهي في العناية المركزة الآن، أما أختي فقد لقيت ربها، وما زلت أسمع صرخات استغاثتها وهي تحتضر فأشعر بمرارة وحسرة لأني لم أستطع إنقاذها، وما زالت في ثلاجة المستشفى الذي رفض تسليم جثتها حتى انتهاء كافة التحقيقات، ففتحنا أبواب المنزل لتلقي العزاء.