في ساعات مبكرة من فجر الأحد، تنهال رسائل تحمل أخبارا سيئة على هواتف الصحافيين النقالة، مفادها رحيل الصحفي ابن مكةالمدينة المقدسة وفارس صحيفتها عمر المضواحي، الخبر حل بثقله على كواهل زملاء المهنة. عمر المضواحي الاسم الذي يعرفه المكيون جيدا، فهو الباحث في تاريخها والمنافح عن آثارها، بلغ ذروة تخصصه الصحافي في الزميلة «مكة»، فكان له خطه الخاص، الذي أبدع بسبقه وسبك حروفه النافرة من «الحشو» و «المترهل» من الحديث. كان يعاني من المرض، بيد أن القريبين منه فوجئوا برحيله، إذ لم يكن يعكر صفو الأحبة بالحديث عن وعكته الصحية. يقول عنه فهد الحسني، صحافي زامله في محطته الأخيرة، إن أبا عبدالمحسن كان فارسا جوادا يبهر الزملاء بخطه المحترف، «كنت أسمع عنه قبل أن التقيه، وعندما التقيته بهرت من شدة تواضعه وجميل صفاته، عمر رجل لا يتكرر». عند آبار زبيدة التاريخية كان يتنقل ابن مكة بلباسه الحجازي، ليمر بمكتبة المسجد الحرام، وليكتب عن قضيته التي سخر معظم وقته في خدمتها، وكان للراحل أحاديث قبيل وفاته بأشهر، يشير فيها إلى أنه لا يزال صحافيا يمارس الركض اليومي، معتقدا في الوقت ذاته أن الإنسان في رحلة علم مستمرة لا تنقطع. تعبيراته عن القضايا التي يؤمن بها كانت تبدو على شكل «انفعال صادق»، وتحقيقاته الصحافية التي كان يجول المملكة بحثا عن مفاتيح حلها تؤكد حرصه وصرامته المهنية، يعاود الحسني الحديث عن أبي عبدالمحسن قائلا: «كان موجها وقائدا وصحافيا محترفا، إنه فارس مكة وابنها البار». في الأول من أكتوبر قبل عام غرد المضواحي عمر، على حسابه الشخصي بتويتر قائلا: «سامحونا.. وإلى لقاء»، بيد أن رحيله جعل للتغريدة حضورا لافتا رغم مضي عام على نشرها، وفي ال28 من سبتمبر من العام الماضي، كتب تحقيقا صحافيا عن مرقدي زوجتي الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-، السيدتين خديجة وميمونة، بعنوان «الموت في مكة.. حياة». المضواحي كتب عنوانا لحياته التي قضاها في بلاط صاحبة الجلالة، يقول إنه لا يريد إلا أن يكون صحافيا، فيما، نعى صحافيون خليجيون زميلهم الذي رحل هادئا رغم الصخب الذي أحدثه طيلة مسيرته الصحافية. تغيب شمس الأحد من دون عمر، بيد أن ثرى مكة سيشهد يوما على جهد رجل أحب بلده ونافح عن قضاياه، عاش محبا للرسول وآثاره، ورحل محاطا بالمحبة والود، «عكاظ» التي آلمها الخبر تعزي عبدالمحسن وأسرته في فقد «عمر». إلى ذلك، واسى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أسرة المضواحي، في وفاته، إثر نوبة قلبية في منزله في جدة. وأبدى الأمير سلطان بن سلمان في اتصال هاتفي أجراه بأسرة الفقيد عميق حزنه، سائلا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه الصبر وحسن العزاء. وأعربت أسرة المضواحي عن شكرها للأمير سلطان بن سلمان، وكل من واساهم في فقيدهم، داعين الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه جناته. وكانت جموع غفيرة شيعت الفقيد إلى مقبرة المعلاة في مكةالمكرمة، بعد أن أديت الصلاة عليه ظهرا في المسجد الحرام.