في زمن القرية الزراعية والرعوية لم تكن الكتب متوفرة، بل من يتوفر لديه كتاب من السادة أو الفقهاء ممن درسوا في زبيد وبيت الفقيه يغدو منزله مقصدا للزائرين وتفتح له البيوت أبوابها في ساعات السمر خصوصا في شهر رمضان ليقرأ عليهم سيرة أبي زيد الهلالي وقصة عنترة والزير سالم، وعندما كان الكتاب نادرا حد العدم كان عند توفره (خير جليس) كما قال أبو الطيب المتنبي ذلك، أن النهم المعرفي الإنساني وفضول التعلم والاطلاع لا حدود لها بحكم طبيعة فطرية قائمة على حب الاطلاع، ولذا كان مقتني الكتاب يقرأه بالتقسيط ويحرص على الاقتيات على مضمون صفحاته بشح شديد خشية أن ينتهي من قراءته في زمن سريع ويدخل حالة فراغ قرائي، وفي زمن الطفرة الأولى أظهر أرباب المال عناية بالكتب إلا أنها في الغالب لسد خانة أو زاوية في ديكور المنزل ولم نكن نعرف المكتبة المنزلية إلا من خلال دولاب يقع في منتصفه مربع للتلفزيون، مع أن هذا لا ينفي عشق وتعلق العرب بالكتابة والقراءة كون العرب أمة شفاهية وتحتاج لتموين مستمر للذاكرة من خلال القراءة والإصغاء لما يرد في الكتب أو القصص والسير لروايته في وقت لاحق في المناسبات ومجامع القوم، ومنذ مطلع الألفية الميلادية الجديدة وحضور معارض الكتب نشأ جيل من الشباب السعودي المكون معرفيا على كتب التراث والمنفتح من خلال المنتديات على فضاءات عربية وأجنبية وترتب على ذلك قدوم موجة التأليف السعودي، إذ أصدر السعوديون عام 2007 ما يزيد عن 74 رواية و60 مجموعة شعرية إضافة إلى عشرات المؤلفات في النقد والفنون المتنوعة، وإذا كان المثل يقول (الجواب من عنوانه) فإن الكتاب ليس من عنوانه، إذ أن كثيرا ما يقع القارئ في شرك العناوين الجاذبة المبنية على الصدمة والغواية بهدف استدراج القراء إلى فخاخ الشراء إلا أنهم عندما يصلون ببعض الكتب إلى المنازل ويبدأون القراءة تنتابهم خيبة أمل ويساورهم ندم على التعجل في الاقتناء إذ أن بعض الكتاب لا تساوي ثمن الحبر الذي أهرق على خطها، وبرغم وفرة المعارض وتزايد أعداد الكتب وتصدر السعوديين رأس قائمة المقتنين للكتب إلا أن معدل القراءة لا يزال متواضعا ونعني بها القراءة الجادة، ولعل وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي من المؤيدين لهذا القول، إذ استشهد بتقرير لمنظمة اليونسكو عن القراءة في العالم العربي يكشف أن المواطن العربي يقرأ 6 دقائق في اليوم، بينما المتوسط العالمي هو 36 دقيقة في اليوم، وأضاف أن لكل 20 مواطنا عربيا كتابا واحدا في السنة، في حين كشفت دراسة للمجلة العربية لمؤشرات الممارسة القرائية أن 78.39 % من إجمالي المجتمع السعودي يمارسون القراءة الحرة مقابل 21.61 % لا يمارسونها، وأشار إلى أن 68 % من السعوديين يستغرقون 10 دقائق في قراءة المطبوعات الورقية، وأن 75 % منهم يقضون 10 دقائق في قراءة النصوص الإلكترونية في حين أن 33 % من السعوديين يمارسون القراءة الحرة كنشاط يومي إضافة إلى 17 % منهم يمارسون نشاط القراءة الحرة كل يومين، ويؤكد الروائي عواض العصيمي أنه وقع مرارا في مصيدة العناوين وتلبسته حالة عتب الذات على التعجل في اقتناء كتاب بسبب عنوانه، فيما يؤكد الشاعر محمد خضر أنه يقرأ عن الكتب قبل اقتنائها بحيث أنه لا يشتري إلا كتابا يمنحه متعة ويضيف إليه معرفة ويجدد طاقته القرائية والكتابية، ويكاد يتفق عدد من المؤلفين المجايلين القراء على أن الكتاب ليس دائما من عنوانه.