قبل عام ونصف كتبت مقالا في هذه الجريدة بعنوان: (عجز موارد التقاعد.. تحد مزمن وإشكالية قابلة للحل)، دعوت فيه إلى سرعة تحرك الجهات المختصة لحل التحديات المالية التي تواجهها المؤسسة العامة للتقاعد، والنظر في تحسين أوضاع المتقاعدين؛ الذين يتجاوز عددهم اليوم 662 ألف مواطن ومواطنة، إضافة للملايين من أفراد أسرهم، كما طرحت في المقال أيضا بعض تصوراتي إضافة لأبرز المقترحات المطروحة في مجلس الشورى حول الموضوع، وللأسف فإنه رغم كل ما كتب وقيل خلال السنوات الماضية، لا تزال معظم تلك القضايا والتحديات تراوح مكانها كما هي وبدون حل!. ما تقدم يجعلني أستغرب هذا البطء الذي تتعامل به بعض أجهزتنا الحكومية مع عدد من ملفاتنا الوطنية الهامة!، والأغرب أن يحدث ذلك رغم التقدم الملحوظ الذي تم إحرازه على هيكلية وأسلوب اتخاذ القرار عند قمة الهرم الحكومي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله - حيث تحققت نقلة نوعية كبيرة؛ طالت جوانب مهمة في هيكلة التنظيم الإداري في البلاد، من أبرز مظاهرها، تشكيل مجلسين مهمين؛ أحدهما اختص بالشؤون الاقتصادية والتنمية، وكان الهدف الأبرز من تأسيسه، هو تحسين منظومة وآلية الأداء الحكومي، والتسريع باتخاذ القرارات الاقتصادية والتنموية التي تحتاجها البلاد؛ خصوصا تلك التي لا تحتمل المزيد من التأخير، وهو ما يستلزم تحركا سريعا لحلها قبل أن تتفاقم مثل كرة ثلج تنحدر من أعلى جبل جليدي! لتزيد تلك المشكلة تعقيدا، في غياب أي حل جيد يلوح في الأفق!. لذلك لم أستطع أن أستسيغ الخبر المنشور مؤخرا، والذي فاجأ الكثيرين في مجتمعنا، حيث أشار إلى تأخر وزارة المالية عن سداد مبلغ 45 مليار ريال مستحقة لحساب المؤسسة العامة للتقاعد!، وما يثير العجب والفضول في آنٍ واحد، هو حدوث ذلك التأخير في ظل ميزانيات السنوات الماضية التي تميزت بفوائض جيدة. والأكيد هو إن ما حدث قد أثار عندي وعند الكثيرين، جملة من التساؤلات منها: منذ متى والمبلغ متأخر لدى وزارة المالية؟، وهل سيتم تعويض (المؤسسة) عن خسارة جزء من عوائدها؟، وهل سيتم رده (دفعة واحدة) أم (على أقساط؟)، وهل سيتم تعويض (التقاعد) عن أرباح الفرص الاستثمارية الضائعة؟!.؛ بعد أن أدى التأخير إلى حرمان المؤسسة من الحصول على عوائد مبلغ ضخم كهذا!، قد تصل أرباحه إلى 4.5 مليار ريال كل عام، بافتراض نسبة ربح مقدارها 10% سنويا. والمزعج في الأمر هو أن استمرار تفاقم عجز حسابات المؤسسة العامة للتقاعد قد يؤدي إلى إعاقتها عن القيام بدورها تجاه المتقاعدين؛ خصوصا العسكريين منهم، وقد يحدث ذلك لا سمح الله بعد فترة قصيرة نسبيا؛ قد لا تتجاوز 6 أعوام، وربما يضطر حينها صندوق التقاعد العسكري، لتسييل جزء من أصوله من أجل الوفاء بمصروفاته في عام 1442ه !، قبل أن يلحق به صندوق التقاعد المدني بعد نحو 8 سنوات من ذلك التاريخ؛ أي في عام 1450ه !، وهكذا فإنه عوضا عن إحراز تقدم تجاه وضع حلول سريعة لهذا التحدي، فإن كرة الثلج قد تكبر بدلا عن أن تصغر!. من جانب آخر فإنني على ثقة تامة بأن وزارة المالية ستقوم بدفع المبلغ المتأخر؛ إن عاجلا أو آجلا، وسبب هذه الثقة هو أن الأمر أحد الالتزامات الحكومية، حيث تضمن الدول عادة دفع أموال التقاعد؛ ليس في المملكة فقط، بل وفي جميع بلدان العالم، والملفت هنا هو أن مناقشة اللجنة المالية بمجلس الشورى مؤخرا للتقرير السنوي للمؤسسة العامة للتقاعد عن العام المالي 1435-1436ه، هي التي أبرزت إلى السطح موضوع تأخر الوزارة في سداد المبلغ المستحق، ليس ذلك فحسب بل أن الشورى طالب (التقاعد) بإعادة النظر في استراتيجيته الاستثمارية بهدف زيادة معدلات عوائد استثماراته التي زادت أرباحها بنسبة متوسطة بلغت 5.7%، حتى تصل إلى مستوى العوائد التي تحققها استثمارات مؤسسات التقاعد الكفؤة، في العالم. على ضوء ما تقدم، فإن الكثير من المتقاعدين يعربون عن رجائهم بتفضل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بالنظر في إمكانية إصدار قرار سريع؛ يتم بموجبه معالجة هذه القضية، ليس فقط من أجل إبعاد شبح العجز عن أموال المتقاعدين العسكريين، ولكن لكي تتفرغ المؤسسة بعد ذلك لحل مطالب أخرى لا تقل أهمية بالنسبة للمتقاعدين؛ في مقدمتها النظر في رفع الحد الأدنى للمعاشات؛ وهو المقترح الذي سوف يساعد شريحة من المتقاعدين الذين لا تزيد معاشاتهم الشهرية حاليا عن ألفي ريال، وهو مبلغ لا يفي بمتطلبات الحياة الكريمة، إضافة لإعادة النظر في مقترح تأسيس صندوق لدعم حساب مؤسسة التقاعد، الذي خفت الحديث عنه في الآونة الأخيرة؛ بعد أن فوتنا فرصة تأسيسه خلال فترة الوفرة المالية!. ورغم تحقيق (المؤسسة) لعوائد (متوسطة) من توظيف بعض أصولها في سوق الأسهم السعودية، فإنني أتطلع إلى مبادرتها لتخفيف قيمة محفظة استثماراتها في الأسهم المحلية والتي تبلغ نسبتها نحو 43% من إجمالي أصولها حاليا، نظرا لارتفاع مخاطر هذا النوع من الاستثمارات، وربما يكون من المفيد أيضا، تمديد سن التقاعد المدني إلى 65 سنة لزيادة فترة اشتراكات الموظفين في الصندوق، مع زيادة متطلبات التقاعد (المبكر)، بهدف تحقيق بعض التوازن المفقود الآن بين مبالغ المنافع المقدمة، وحجم الاشتراكات المحصلة، ولا يكتمل هذا الموضوع بدون البت سريعا في مشروع نظام التقاعد بشقيه المدني والعسكري؛ الذي يتم تقاذفه منذ سنوات بين بعض الأجهزة المختلفة.