كنا قبل عقود نتأفف من الوضع السياسي العربي العام، ونتضجر من تدهوره وضعفه وتخلفه، ونحذر من تبعاته، وننبه من تداعياته ونتائجه المستقبلية. ولكن أكثر المراقبين (المشفقين) تشاؤما لم يتوقع أن يصل حال الأمة العربية – بصفة عامة – إلى حالها اليوم، وما سيتطور عليه هذا الحال المرعب.. الذى يسير، في واقع الأمر، من سيئ لأسوأ. ويكاد لسان حالنا الآن يردد حزينا ومتأسفا: رب يوم بكينا منه فلما صرنا في غيره بكينا عليه؟! انتشر الاضطراب، وسادت القلاقل، وعم عدم الأمن والاستقرار في كثير من الربوع العربية. وأخذت هذه الأرجاء تشهد سفك بعض العرب دماء بعضهم، وانتشر القتل والتدمير، والتشرد والمجاعات وهتك الأعراض. وبدل أن تهيأ الإمكانات العربية لرعاية الإنسان العربي وحماية حقوقه المشروعة، أصبحت تسخر لقتله، وتدمير بلاده، أو تشريده منها على الأقل. لقد فتحت أبواب الفتنة والجحيم على مصراعيها، ودخل كثير من العرب – عنوة – في نفق مظلم ودام، لا يرى له نهاية. **** وبالطبع، فإن إسرائيل، عدو الأمة الأول، تكاد ترقص فرحا وطربا مما يجري على الساحة العربية الآن. وقد لخص أحد المسؤولين الإسرائيليين موقف الصهاينة تجاه ما يجري بقوله: «على إسرائيل أن تنتشي، لأن العرب يقتلون بعضهم بعضا، ودون أن نقوم نحن بذلك»...؟! لقد كان لإسرائيل وما زال نصيب كبير في تفجير أغلب الأحداث المأساوية العربية، وفي هز الكيان العربي، وإشعال الاضطراب والفوضى في كثير من ديار العرب. صحيح أن هناك «أسبابا» أخرى لما المنطقة العربية فيه من فوضى واضطراب وعدم استقرار وغياب للأمن الحقيقي. إذ اقتربت الأمة من حافة الانهيار التام نتيجة أسباب، يأتي في مقدمتها: ما يسود لدى نسبة كبيرة من أبنائها من طائفية مقيتة، ومذهبية مدمرة، وسوء فهم لدينهم الإسلامي، وتفسير لأحكامه على نحو غير صحيح. إضافة إلى الاستبداد ودور القوى الدولية المتنفذة، وأطماعها بالمنطقة. ومع كل ذلك، تظل إسرائيل، بما توفر لها من إمكانات استخباراتية وسياسية وعسكرية هائلة، هي الطرف (السبب) المتربص الذي يعمل ليل نهار للإضرار بهذه الأمة، واستغلال ما في المنطقة من تناقضات لضرب أمن واستقرار البلاد العربية. أصبحت إسرائيل تتدخل عيانا بيانا في الشؤون العربية، لتفاقم من علل الأمة، وتصب الزيت على نيرانها. ثم تقف شامتة فيما يجري، ورادة سببه إلى «همجية ووحشية العرب» – كما يقول إعلام الصهاينة. **** وأمسى «الاهتمام» العربي بالعدوان الصهيوني على الأمة العربية أقل كثيرا من السابق، ومما يجب. إذ بلغ الآن (2015م) أدنى درجاته منذ العام 1948م، عام قيام دولة إسرائيل على حساب شعب بأكمله، وضد أمة ممتدة. لقد تقلص هذا الاهتمام على كل المستويات العربية، الرسمية وغير الرسمية. وكما يبدو للمراقبين، فإن الإعلام العربي، هو الآن أقل اهتماما وانشغالا ب«الصراع العربي الإسرائيلي». ووصل عدم الاهتمام، وقلة الاكتراث، إلى المعنيين بالأمر مباشرة، وهم الفلسطينيون. إنه اليأس، والإحباط. إضافة إلى انشغال معظم العرب الآن بأنفسهم، وبما يجري في ديارهم، ومن حولهم من أحداث جلل، وتطورات تدفع للتشاؤم، وليس الأمل. فهذه الأحداث المتلاحقة والمتسارعة تمس حياتهم مباشرة، وتهدد أمنهم، بل وبقاءهم. نعم، لقد عز حتى الأمن، وتهدد البقاء. ومن الطبيعي، والمنطقي، أن يهتم الإنسان بأمنه وبقائه أولا، وقبل الاهتمام بأي خطر، أو تهديد غير مباشر، وغير حال. ولعل ذلك هو السبب الرئيس في تدني الحذر والاهتمام العربي بصفة عامة بما تفعله إسرائيل يوميا ضد الفلسطينيين، وضد الأمة قاطبة. وتحول جزء كبير من هذا الاهتمام والحذر نحو «أعداء» جدد، وقضايا قديمة جديدة معروفة. إن على عقلاء العرب المعنيين بخروج أمتهم من مأزقها التاريخي الحالي الخانق أن يحددوا (بدقة ومنطق سليم) «أسباب» ما هم فيه من اضطراب وعدم استقرار، والعوامل والأطراف التي تقف خلف هذه المعاناة.. وتفاقم من مأساتهم، كخطوة أولى أساسية وضرورية للنهوض المأمول، من كبوة طال أمدها، وتفاقم شرها.. وزاد طينها بلة.. بما يكاد أن يجعل ذلك النهوض المأمول مجرد فكرة مستحيلة التحقق.