أمسى الاهتمام العربي بالعدوان الصهيوني على الأمة العربية أقل كثيرا من السابق، ومما يجب، إذ بلغ الآن (2014م) أدنى درجاته منذ العام 1948م، عام قيام دولة إسرائيل على حساب شعب بأكمله، وضد أمة ممتدة. ويلاحظ أن هذا الاهتمام قد تقلص على كل المستويات. وكما يبدو للمراقبين، فإن الإعلام العربي الحكومي والخاص، هو الآن أقل اهتماما وانشغالا بالصراع العربي الإسرائيلي الصهيوني، ووصل عدم الاهتمام وقلة الاكتراث إلى المعنيين بالأمر مباشرة، وهم الفلسطينيون. إنه اليأس والإحباط إضافة إلى انشغال معظم العرب الآن بأنفسهم وبما يجري في ديارهم ومن حولهم من أحداث جلل وتطورات تدفع للتشاؤم وليس الأمل، وهذه الأحداث المتلاحقة والمتسارعة تمس حياتهم مباشرة وتهدد أمنهم بل وبقاءهم. نعم، لقد عز حتى الأمن وتهدد البقاء. ومن الطبيعي والمنطقي، أن يهتم الإنسان بأمنه وبقائه أولا، وقبل الاهتمام بأي خطر أو تهديد غير مباشر. ولعل ذلك هو السبب الرئيس في تدني الحذر والاهتمام العربي بصفة عامة بما تفعله إسرائيل يوميا ضد الفلسطينيين وضد الأمة قاطبة، وتحول جزء كبير من هذا الاهتمام والحذر نحو أعداء جدد (إيران، الإرهاب، الطائفية، المذهبية.. إلخ). وتلحق المبالغة في الاهتمام المستحدث ضررا فادحا بالأمن القومي العربي خاصة عندما تصرف الأنظار عن العدو الحقيقي الأول للأمة وتوجه إلى أعداء ومنافسين أقل خطورة في المدى الطويل. ويجب أن لا ننسى أنه كان لإسرائيل وما زال نصيب كبير في تفجير أغلب الأحداث المأساوية العربية وفي هز الكيان العربي وإشعال الاضطراب وعدم الاستقرار في معظم أرجاء الوطن العربي. صحيح أن هناك أسبابا أخرى للفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة العربية، فلقد اقتربت الأمة من حافة الانهيار التام نتيجة أسباب يأتي في مقدمتها: ما يسود لدى نسبة كبيرة من أبناء هذه الأمة من طائفية مقيتة ومذهبية مدمرة وسوء فهم لدينهم الإسلامي وتفسير لأحكامه على نحو غير صحيح. كما يجب عدم تجاهل دور القوى الدولية المتنفذة وأطماعها وأهدافها بالمنطقة، ولكن تظل إسرائيل مع كل ذلك هي الطرف (السبب) المتربص الذي يعمل ليل نهار للإضرار بهذه الأمة، واستغلال ما في المنطقة من تناقضات لضرب أمن وسلام واستقرار البلاد العربية، بما توفر لها من إمكانات استخباراتية وسياسية وعسكرية هائلة. إن على العرب المعنيين بخروج أمتهم من مأزقها التاريخي الحالي الخانق، أن يحددوا (بدقة ومنطق سليم) أسباب ما هم فيه من اضطراب وعدم استقرار، والعوامل والأطراف التي تقف خلف هذه المعاناة وتفاقم من مأساتهم وتزيد من تلوث مائهم العكر، كخطوة أولى أساسية وضرورية للنهوض المأمول من كبوة طال أمدها وتفاقم شرها وزاد طينها بلة، بما يكاد أن يجعل ذلك النهوض المأمول مجرد فكرة يمكن اعتبار تحقيقها في أرض الواقع من مستحيلات التاريخ الحديث.