دار شريط الذاكرة إلى الوراء.. قبل عشر سنوات.. في مقهى في شارع التحلية في الرياض كنت بصحبة مجموعة من الزملاء أذكر من بينهم الزميل حمد القاضي عضو مجلس الشورى والزميل صالح الشيحي الكاتب في الوطن وآخرون، كنا نعيش أجواء أول انتخابات بلدية وكانت حالة التفاؤل بهذه التجربة تملأ شوارع المدينة، فجأة أصبحت الأحلام البعيدة قريبة جدا وبدت مشاركة المواطن في كل القرارات التي تعنيه وتعني مستقبل أولاده ممكنة، وبين كل رشفة فنجان قهوة وآخر كان يدخل المقهى شباب يوزعون على الطاولات كتيبات لمرشحين تتضمن برامجهم الانتخابية التي تبخرت بفعل حرارة شمس الظهيرة!. كانت التجربة الأولى للمجالس البلدية المنتخبة محبطة جدا لأسباب كثيرة أهمها أن الأعضاء المنتخبين وجدوا أنفسهم بلا صلاحيات تستحق الذكر، حيث نجحت أمانات المدن في تحجيم دورهم واستمرت تفعل ما يحلو لها، ولأن (العود من أول ركزة) - كما يقول المثل الشعبي - فإن هذه التجربة الأولى تركت آثارها الواضحة في عقول الناخبين المتفائلين الذين كانت أحلامهم تتجاوز الانتخابات البلدية إلى بقية المؤسسات الشعبية وفي مقدمتها مجلس الشورى، بينما احتفظ قسم من الناس بتفاؤله باعتيار أن التجربة الأولى لا تعد مقياسا للحكم على النجاح أو الفشل وفضلوا انتظار التجربة الانتخابية الثانية. ولكن التجربة الثانية لم تجئ! ..أو بالأصح جاءت بعد تأجيلها لسنتين، كانت كالطبخة الباردة.. ولم تحظ بربع ما حظيت به التجربة الأولى من زخم شعبي رغم تطوير الأنظمة وزيادة حملات التوعية بأهمية المشاركة، لقد فعل التأجيل والتمطيط فعلته.. وكان لتهميش المجالس البلدية واستقالة بعضها بسبب عدم تجاوب الأمانات أثر أكيد في النفس.. فجاءت المشاركة في هذه الانتخابات خجولة ومتواضعة. واليوم نشرت أكثر من صحيفة سعودية تقارير توضح ضعف الإقبال على التسجيل في قيود الناخبين قبيل التجربة الانتخابية الثالثة، وهو أمر منطقي جدا ولكنه محزن جدا، محزن بالنسبة لنا لأن تطوير المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار لا يزال حائرا في خطوته الأولى، ومحزن أيضا بالنسبة للجهات الرسمية التي تحتاج حتما مشاركة المواطن في اتخاذ القرار أكثر من المواطن نفسه كي تكون قراراتها حيوية وأكثر تماسا مع الشارع خصوصا أننا نعيش اليوم في ظل حكومة شابة تتعلق الآمال بها كي نكون في مكانة متقدمة في سباق الأمم. التجربتان السابقتان دفعتا الكثير من المواطنين اليوم لانتخاب اللحاف.. والتجربة الثالثة هي الفيصل لأن الثالثة ثابتة كما يقال، لذلك فإن الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها المجالس البلدية المنتخبة وقدرة أعضائها على تغيير الأحوال في مدنهم وقراهم هي السبيل الوحيد لإنقاذ هذه التجربة التي لم تعد أبدا كما كانت حين كنا في المقهى قبل عقد من الزمان!. klfhrbe@gmail.com