لا يمكن لهيئة مكافحة الفساد (نزاهة) أن تتعرض لما تعرضت له من انتقاد حاد في مجلس الشورى عند مناقشة تقريرها المقدم للمجلس لو لم تكن الآمال التي علقها المواطنون على إنشاء هذه الهيئة كبيرة ولو لم يكن الشعور السائد بعجز الهيئة عن تحقيق هذه الآمال قويا، وإذا كان من المفترض أن تراكم التجربة يؤدي إلى مزيد من الخبرة القادرة على تدعيم أداء الهيئة وتعزيز دورها في مكافحة الفساد فإن تقريرها الذي قدمته للمجلس كشف عن تراجع في القيام بهذا الدور لم تفلح معه الخبرة ولم يجد معه تراكم التجربة. وقد اعتمد نقاش مجلس الشورى لتقرير هيئة مكافحة الفساد على مؤشرين هامين لا يكشفان عن تراجع أداء الهيئة فحسب بل ينذران بمزيد من التراجع على نحو يمكن له أن ينتهي بإعلان عجز الهيئة عن القيام بدورها أو بقائها هيئة صورية لا تحمل من مكافحة الفساد غير شعارات المكافحة ولا تقدم سوى النصح والإرشاد ولا تعول على غير غرس قيم النزاهة في الطلاب ونمو الوعي بمكافحة الفساد في المجتمع. أحد المؤشرين اللذين كشفا عن تراجع أداء هيئة مكافحة الفساد يتمثل في زيادة عدد الجهات غير المتعاونة مع الهيئة من تسع جهات إلى ست عشرة جهة، وهو مؤشر خطير، إذ أن عدم تعاون هذه الجهات مع الهيئة يعني تعطيل دورها وعرقلة تحقيقاتها في الكشف عن قضايا الفساد بل يؤكد على عدم شعور هذه الجهات غير المتعاونة بأهمية ما تقوم به الهيئة إضافة إلى الشعور بالقدرة على «استضعافها» وإهمال الرد على استفساراتها، وهو الأمر الذي انتهجته بعض الجهات ثم تضاعف عدد تلك الجهات نتيجة عجز الهيئة عن معالجة ما تتعرض له من إهمال الرد على استفساراتها أو تقبلها لهذا الإهمال. أما المؤشر الثاني على تراجع دور هيئة مكافحة الفساد فيتمثل في انخفاض عدد البلاغات التي تلقتها الهيئة من المواطنين من ستة آلاف بلاغ إلى 4484 بلاغا وهو مؤشر خطير كذلك، يحمل دلالة واضحة على «تسلل الإحباط لنفوس المبلغين وعدم التعامل مع بلاغاتهم على النحو المطلوب»، كما قال عضوا مجلس الشورى فهد العنزي ومحمد العنزي، وقد كان الأولى بالهيئة أن تتنبه لهذه المسألة فلا يعول ممثلها على «زيادة الوعي» لتفسير تراجع تفاعل المواطنين مع الهيئة.