آخر معقل سياحي عربي سيخرج منه العرب والخليجيون هو لبنان الذي يعيش هذه الأيام حالة من (الربيع) في عز شمس أغسطس الحارقة. تجمع اللبنانيون لأكثر من ثلاثة أيام حتى الآن ليرفضوا أداء الحكومة في حق (الزبالة) التي أزكمت (طائفيتها) الأنوف والعقول. ولم يعد بمقدور الشباب، كما قالوا، أن يتحملوا أكثر بعد أن أصبح للفساد رائحة على أرصفة الشوارع وعند أبواب البيوت. قدر اللبنانيين، كما هو قدر كل العرب، أن تكون بلدانهم طاردة لأهلها، إما بالحرب أو الفساد أو من أجل بقاء الزعيم العظيم الأوحد. في لبنان، في سنوات ما بعد الحرب الأهلية مباشرة، كنت أراهن أن هذا البلد سيصبح بردا وسلاما ونعيما على أهله الذين يعتبرون استثناء في حضارتهم ومستوى تعليمهم ضمن محيطهم العربي، لكنني خسرت هذا الرهان أكثر من مرة بسبب تغول الطائفية ونخرها في عظام ومفاصل اللبنانيين. أصبح البلد خرابا لأنه يدار من حكومتين: الحكومة الشرعية الممثلة بمجلس الوزراء وحكومة حزب الله التي تستقوي بترسانتها وإعلامها وإيرانيتها. ضيع اللبنانيون، بكل طوائفهم، فرصة بناء بلد حقيقي منتج ومزدهر لأن الهوى الطائفي غلب كل هوى بما فيه الهوى الوطني، الذي يعود جيل لبنان الجديد إلى أعلامه في كل انتفاضة يتحين فيها فرص الخروج من مأزق الاقتصاد الحرج والتنمية المتعثرة، بل المتوقفة لما يقرب من عشرين سنة. ولذلك كان النداء الأخير، من ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت، هو إعادة الوطن، حكما وإدارة، إلى أبناء الشعب العادي الجائعين والطامحين إلى حياة آدمية تماثل حياة باقي الشعوب. ولا أعتقد أن هناك حلا آخر إذا أراد سياسيو لبنان أن يجنبوا بلدهم السقوط في براثن الدولة الفاشلة كما هي الحال في العراق وسوريا واليمن. الزعماء التقليديون أثبتوا، في الحرب والسلم، فشلهم في الالتقاء على دولة موحدة وحاضنة لكل طوائف الشعب، والتجاذبات بينهم ماتزال عند المربع الأول الذي سبق قيام حربهم الأهلية في العام 1975. وبالتالي أصبح طبيعيا أن يطالب اللبناني الذي نشأ على بقايا الحرب والخراب أن يسلم زمام قيادة بلده لعل وعسى أن يخرجه ذلك من مأزق (الوجود) الذي يحاصره من كل جانب. وهذا حقه، خاصة أن دول العالم لم تعد تستوعب كثرة العرب الهاربين من جحيم بلدانهم.