نزل خبر توصل الفرقاء اللبنانيون إلى اتفاق في الدوحة الأربعاء الماضي برداً وسلاماً على قلوب الحادبين على لبنان وشعب لبنان في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فعلى الرغم من كل الآلام والجراحات ها هو لبنان يثبت مجدداً أنه مثل طائر الفينيق الذي يهب من تحت الرماد ليحلق عالياً ينبض بالحياة والأمل. لقد وضع اللبنانيون والعرب أياديهم على قلوبهم طوال ساعات الحوار الوطني اللبناني في الدوحة، ففشل المبادرة العربية والجهد القطري كان يعني كارثة حقيقية يصعب التكهن بمداها أو نتائجها، وقادة القوى السياسية اللبنانية جاؤوا إلى الدوحة مودعين بلافتات القوى الشعبية التي تطلب صراحة بألا يعودوا إلى بيروت بلا اتفاق، فقد تعب لبنان بكل شرائحه وطوائفه: انهار اقتصاده وتعطلت مصالحه وهرب سياحه وزواره وانفلت أمنه وأوشك البلد أن يسقط في وهدة الحرب الأهلية الشاملة لولا عناية الله. اتفاق الدوحة الذي ولد بعد مخاض عسير فتح نافذة أمل جديد لكل اللبنانيين، لكن الاتفاق يحتاج لالتزام كل الأطراف وصدق نواياها لترجمته إلى خطى عملية تعيد للبنان أمنه واطمئنانه وحيويته وتضع عربة السياسة اللبنانية على المسار الصحيح الذي يراعي حقائق الوضع اللبناني بكل أبعاده الديمغرافية والعرقية والطائفية والمذهبية، ولا بد من استخلاص العبر والدروس من التجربة المريرة التي عاشها لبنان منذ حادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري؛ وما تبع ذلك الحادث الجلل من تداعيات ونتائج، وبدون قراءة متأنية ودقيقة ورصينة من جانب كل القيادات والقوى السياسية لفصول المرحلة الصعبة التي مر بها لبنان من منظور وطني خالص بعيداً عن الارتهان لحسابات أي قوى خارجية، بدون هذه المراجعة الشفافة يكون لبنان قد دفع الثمن دون أن يتعلم شيئاً. إن توقيع الاتفاق ليس سوى الخطوة الأولى على طريق المعافاة الطويل فالمهم أن تسود روح الوطنية والمسؤولية، وأن يتذكر الزعماء اللبنانيون أن قدر لبنان هو التعايش والتسامح والتراضي والتوافق، وكل من يعتقد بأن في إمكانه حكم لبنان بدون هذه القيم المهمة في الإرث السياسي اللبناني سيدفع بالبلد كله إلى الهاوية. ومن المهم تطوير الخطوة الإيجابية التي تحققت إلى رؤية وإستراتيجية شاملة، فالسلام والاستقرار في لبنان وحل الأزمة السياسية اللبنانية عبر صيغة توافقية تضمن حماية المؤسسات الدستورية اللبنانية وتفعيلها وفرض سيادة القانون على كل لبنان وإلغاء كل مظاهر السلطة الموازية لسلطة الدولة الشرعية، سينعكس على منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها الإقليمية والدولية وربما كان الاتفاق اللبناني في الدوحة مفتاحاً سرياً لحلحلة أزمات أخرى ليست بعيدة عن تشابكات الأزمة اللبنانية. مبارك للبنانيين اتفاقهم الوطني والتهنئة للجهد العربي وللشقيقة قطر التي استضافت الحوار اللبناني وعملت على إنجاحه وليحفظ الله لبنان الشقيق وشعبه من كل مكروه.