كشفت دراسة متخصصة في النفط عن أن وصول سعر البرميل الواحد إلى مستويات سعرية متدنية، وأن استمراره في البقاء ضمن تلك المستويات لفترة زمنية سيساعد على إيقاف دعم المنتجات المكررة أو خفضه، من خلال ربط أسعار البنزين والديزل مع الأسواق الدولية دون أن يؤثر ذلك على المستهلك، ويساعد ميزانيات الدول المنتجة على تجاوز عبء كبير. يأتي هذا في وقت وصلت فيه أسعار البترول أمس إلى 41.64 دولار للخام الأمريكي، وهو ما يعني هبوطه إلى أدنى مستوى في ست سنوات ونصف، و48.35 دولار لخام برنت ليقترب من أدنى مستوى في 2015. وركزت الدراسة التي أعدتها مجموعة «بوسطن كونسلتينيج» الشهيرة عالميا في مجال الأبحاث- والتي قدمت الدعم لأكثر من 30 مصفاة في جميع أنحاء العالم- على الفرص والتحديات التي يوفرها انخفاض أسعار النفط في الوقت الحاضر لقطاع التكرير والتسويق في الشرق الأوسط ضمن مجموعة تفاصيل موسعة، حصلت «عكاظ» على نسخة منها بصفة خاصة. وأشارت إلى أنها هوامش التكرير ستبقى تحت وطأة الضغط لفترة متوسطة إلى طويلة، ويعود ذلك إلى حد كبير للإفراط في الإنتاج ونمو الطلب البطيء نسبيا، مؤكدة أن شركات التكرير في الشرق الأوسط جنت فوائد من التحسن المؤقت الذي شهدته هوامش الأرباح. وأكدت على أن دول مجلس التعاون الخليجي استثمرت بشكل كبير في قطاع الإنتاج وفي مقدمتها المملكة، التي تمكنت من إيجاد دعم جزئي من ارتفاع هوامش التكرير في ظل انخفاض عائدات النفط الخام. ورأت أنه من خلال برنامج منهجي مدروس لتحسين الأرباح يمكن تحسين الهامش بواقع 1 إلى 2 دولار للبرميل، مشيرة إلى أن ذلك يستلزم اعتماد دعائم تقنية، مثل تحسين الهامش الإجمالي، وعمليات إدارة الطاقة والصيانة والمساندة، إلى جانب الدعائم «اللينة» التي تشمل الهيكلية والثقافة المؤسسية، وصولا إلى الدعائم «الصلبة»، وضمان أن تبقى كل من التغييرات والمكاسب مستدامة مع مرور الوقت. وأضافت: رغم أن معظم شركات النفط الوطنية في المنطقة استثمرت على طول سلاسل القيمة، لم يتم مشاهدة أي تأجيل في العمل في أي مشاريع تكرير رئيسية، ويعود السبب في هذا أيضا إلى أن العديد من المشاريع العملاقة قبل الهبوط الحاد في أسعار النفط قد وصلت إلى مراحل متقدمة من التطوير أو أوشك على الانتهاء منها مصفاتي «ساتورب» و«ياسرف» في المملكة والرويس في الإمارات. وأكدت الدراسة التي وصفت المصفاتين السعوديتين «ساتورب وياسرف» ب «العالميتي المستوى» ساهمتا في إبراز منطقة الشرق الأوسط كلاعب عالمي ضخم في قطاع التكرير ومصدرا رئيسيا للمنتجات المكررة وبشكل خاص الديزل، إلى جانب مصفاة الرويس الإماراتية. وطالبت الدراسة بضرورة تحسين القدرة على المنافسة في مجال التكرير بقوة أكبر في السوق من أجل إحراز أعلى مستويات القيمة من أصولهم الجديدة الضخمة والمتطورة والمكلفة، وذلك من خلال 4 فرص رئيسية يمكن لشركات الصناعات النفطية في الشرق الأوسط استغلالها الأولى فيها هي التركيز على التميز في مجال العمليات، والثانية بناء قدرات تجارية قوية، والثالثة التوسيع دوليا، والرابعة الدعوة للحد من إيقاف الدعم للمنتجات المكررة. وعن الكفاءة التشغيلية، ذكرت الدراسة أنها مازالت متراجعة عند مقارنتها مع أفضل المعايير والممارسات الدولية بسبب محدودية الضغط على إدارات شركات النفط الوطنية للحد من الموظفين ومن دعم الغاز والطاقة، وأخذ معايير تأمين العرض في الاعتبار. قوة مصافي التكرير وحول هذه الدراسة دعا مدير في مجموعة بوسطن كونسلتينج بالشرق الأوسط «ميركو روبيز» إلى ضرورة تحسين الطريقة التي يتم تسويق المنتجات بها، مضيفا: الدراسة أكدت على أنه في ظل تقلبات الأسواق الراهنة، حري بشركات النفط والغاز في الشرق الأوسط أن تنظر في تعزيز قدراتها التجارية، وتسخير استثمارات إضافية لأصول لوجستية تقع في أسواق آسيا وأفريقيا وأوروبا، الأمر الذي قد يساعدها على الحد من تنامي كميات المنتجات المصدرة من أصولها المحلية، فضلا عن تأمين المنتجات اللازمة لأسواقها المحلية. وأضاف: يمكن أن يساهم امتلاك ذراع تجارية قوية في الحد من الحاجة إلى دعم الاكتفاء الذاتي المحلي بأي من الأحوال على صعيد المنتجات المكررة، ويوفر بديلا أكثر كفاءة اقتصادية للاستثمارات المحلية الكبيرة في مجال التكرير، والتي غالبا ما تكون بدافع الحاجة لتلبية الطلب المحلي على البنزين. ومضى يقول: إن الدراسة شددت على أن الهيكلية والنطاق اللازم لجعل هذه الأصول مجدية من الناحية الاقتصادية تؤدي إلى تشييد مجمعات صناعية ضخمة تعتمد على تصدير كميات كبيرة من الديزل للحفاظ على جدواها، وهذا التوجه هو بالضبط ما ساهم في وفرة التكرير التي نشهدها حاليا، لذلك يجب أن تكون استثمارات المصافي المستقبلية في الشرق الأوسط مدفوعة بتحقيق الجدوى الاقتصادية والربحية، وليس بمعايير ضمان مستويات العرض باعتبار أن السوق تشهد أهمية متنامية للمنتجات المكررة السائلة. وأشار إلى أن مسألة التسابق على الحصص السوقية في السوق النفطية يجعل من امتلاك حصص في المصافي الدولية ميزة استراتيجية، وهو أمر عكفت على اتباعه دول مثل المملكة، والكويت والإمارات، مضيفا: أن ذلك سيساعد الاستثمارات في أصول التكرير بالأسواق الرئيسية في تأمين الكميات والحد من الحاجة إلى خفض أسعار بيع الخام الرسمية للدفاع عن حصتها في السوق. ترك الاقتصاد الريعي وعن المستويات السعرية في الدراسة التي يصل إليها النفط؛ أوضح الخبير النفطي الدكتور سيد الخولي أن أسعار النفط انخفضت خلال العقود الماضية عدة مرات بمستويات متباينة، وأدركت دول العالم سواء المستوردة للنفط أو المصدرة لها أن هناك آثارا سلبية وأخرى إيجابية لارتفاع أو انخفاض الأسعار. وأضاف:أن المملكة ودول منظمة «أوبك» يدركون إمكانية الاستفادة من مراحل الانخفاض، لذلك أعتقد أن التجربة التي يخوضها العالم حاليا بشأن انخفاض الأسعار تدخل في فترة لا يمكن فيها اللجوء إلى سياسة الصبر والانتظار حتى تعاود الأسعار ارتفاعها؛ فسوق النفط والطاقة بشكل عام أصبح أكثر تعقيدا وأقل مرونة. ومضى يقول: إن الدراسة التي تم عرضها عن الفرص والتحديات التي يوفرها انخفاض أسعار النفط في الوقت الحاضر لقطاع التكرير والتسويق في الشرق الأوسط توضح العديد من الجوانب الإيجابية في مرحلة تزدحم بسلبيات انخفاض الأسعار، فالصناعات اللاحقة لاستخراج النفط والتي تعتمد أيضا على النفط كمادة خام رئيسية ستجني فوائد أكبر بكثير من الصناعات الأخرى التي تعتبر النفط مصدرا للطاقة فقط. وأشار في حديثه إلى أن ذلك يمكن أن يتيح الأسعار الاستهلاكية المنخفضة في الدول التي يزيد فيها الدعم عن المستوى الذي يضمن الرشد في الاستهلاك، مضيفا: أن هذه فرصة لرفع الدعم دون رفع الاسعار أمام المستهلك. وأفاد بأن آثار انخفاض سعر النفط حاليا تختلف عن انخفاضها في بداية الثمانينات، مؤكدا على أن حجم التأثير يختلف نتيجة لتغير العوامل الاقتصادية المؤثرة واختلاف مرونة الطلب على معظم مصادر الطاقة. وزاد في إيضاح هذا الجانب بقوله: نجد أن الأسعار المنخفضة تؤثر ولو بنسبة أقل من الماضي على سياسات تنويع مصادر الطاقة؛ ما يؤدى إلى ارتفاع التكلفة النسبية لإنتاج معظم بدائل الطاقة فينجم عن ذلك انخفاض الاستثمارات فيها، وتشجيع انخفاض الأسعار على زيادة الاستهلاك وامتصاص العرض الفائض في الأسواق الذي يقود إلى نمو الطلب مرة أخرى، باعتبار أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى وخاصة في شرق آسيا، إلى جانب إسهامه في انخفاض التضخم النقدي وما يتبعه من انخفاض في أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار أسهم الشركات الصناعية، وانخفاض أسعار السلع الرأسمالية والاستهلاكية، وتقليص السياسات الحمائية للتجارة الخارجية، وانخفاض نسبة البطالة. وشدد على أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على النفط نتيجة عدم الاستمرار في بعض برامج تحفيز المحافظة على الطاقة، وانخفاض الاستثمار في بدائل الطاقة. وختم قائلا: بينما يتباين تأثير انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة وفقا لإمكاناتها الاقتصادية وحجم الاحتياطيات فيها ونسبة مساهمة قطاع النفط في الصادرات؛ فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج تتضمن خفض الإنفاق الحكومي، وتباطؤ النمو الاقتصادي ككل، مع وجود إمكانية اتخاذ خطوات أكثر جدية وفعالية في تنويع القاعدة الاقتصادية، والابتعاد عن مفاهيم الاقتصاد الريعي.