اعترف الدكتور فهد العرابي الحارثي الأديب والإعلامي والمثقف والصحفي في الجزء الثاني من حواري معه بأن الليبرالية السعودية والعربية مزيفة وغامضة وليست لها حدود بينة، وأن الهجمة الكتابية التي تعرض لها الشيخ الشثري كانت انتقاما لا يليق بمثقفين. وأوضح أن أستاذية محمد أركون وإشرافه على رسالة الدكتوراه التي قدمها في جامعة السوربون لا تمنعه من رفض أفكاره والوقوف مع فتوى الشيخين الغزالي والقرضاوي في تكفيره إن قال إن القرآن محرف. د. العرابي عبر عن أسفه لواقع الثقافة السعودية التي عانت تحت وزارة الإعلام، مطالبا بتخصيص وزارة للثقافة تكون مهمتها إعادة اكتشاف ثروات المملكة الثقافية وتقديمها للعالم. وأضاف أن الصحافة الورقية تمرض ولا تموت، لكنها مطالبة بمراجعة واقعها وجمهورها، وقدم تعازيه الحارة لهيئة الصحفيين السعوديين. رئيس تحرير مجلة اليمامة على مدى 12 عاما كشف عن هلاليته التي تأثرت نتيجة تشجيع جميع العاملين في مؤسسة اليمامة الصحفية لزعيم الأندية. د. فهد. ماذا يمثل لك محمد أركون فكرا وشخصا بحكم أنه المشرف على رسالتك لدرجة الدكتوراه؟ وهل نالك شيء من الهجوم الذي تعرض له الرجل من قبل الإسلاميين؟ محمد أركون -رحمه الله- كان استاذا للفكر المعاصر في جامعة السوربون أعرق جامعات أوروبا وله أهمية فكرية واكاديمية كبيرة على مستوى العالم، فهو يلقي محاضراته أسبوعيا في عدة جامعات ألمانية وفرنسية عدا جامعة السوربون، وهو باحث من الدرجة الممتازة والذي أشرف على رسالتي أولا كان المستشرق شارل بيلا، ثم أكمل مسيرته بعد احالته إلى التقاعد البروفيسور محمد أركون، وهو بالنسبة لي أستاذ في المنهج وفي التفكير والبحث العلمي والجامعي الغزير. أما بشأن الهجوم الذي تعرض له الرجل من قبل الإسلاميين فلم ينلني منه شيء لأن محمد أركون مسؤول عن أقواله وأفكاره، وطلابه ليسوا مسؤولين عن شيء مما يقول ولكنهم مسؤولون عما يقولون وعن طريقتهم في التفكير. ما هي قناعتك بجوهر مشروعه الذي أفنى فيه جل حياته وهو (إعادة دراسة القرآن في ضوء العلوم الإنسانية)؟ في البداية محمد أركون مات وهو يشعر بأنه ظلم في ما كتب عنه باللغة العربية وهو يعتقد أنه ذهب ضحية لسوء الترجمة، وأنكر الكثير من الأشياء التي قيلت عنه، ويعتقد أن سوء الترجمة جعل من تلك الأفكار التي طرحها وبالا عليه، وبالتالي فنحن تعودنا في جامعة السوربون ان يكون لكل شخص مشروعه الذي قد تتفق معه وقد تختلف مع البعض الآخر، وأنا شديد الإعجاب بمحمد أركون وبمنهجيته العلمية التي يستخدمها في مقاربة المشكلات التي تعترضه في المستوى الجامعي والبحثي، لكن هذا لا يعني أنني أتبنى أفكاره كلها فقد أتفق معه في بعض الأمور وقد أختلف في أمور كثيرة أخرى، وهذا هو الأمر الطبيعي الذي لا أنفرد به وحدي وإنما يطبقه كل الطلاب ولهم الحق في طريقة التصرف والتفكير وليسوا ملزمين بتبني مشروع المشرف على الرسالة. يا دكتور.. الرجل يقول «لا يوجد اليوم على وجه الأرض نص صحيح للقرآن»؟ أركون قارب النص الديني المقدس (القرآن) وفق منهجية ميثولوجية يرى أنها لازمة وضرورية لتحرير النص من قيود التقليدية في مقاربة النصوص المغلقة مثل القرآن كنص مقدس ووحي إلهي وبالتالي هو غير قابل للتصرف، وهو يعتبر في نظر مؤيديه في هذا المجال مجتهدا، ليس بالمعنى الفقهي وإنما بالمعنى الفلسفي والنقدي، وقد سمعت مرة محمد عابد الجابري -رحمه الله- يطلق على محمد أركون لقب المجتهد، ومحمد أركون يعتبر نفسه مسلما مخلصا لدينه، لكن استخدامه للمنهج التاريخي أوقعه في المحظور في نظر الكثيرين، وهو يعتبر أن ما يقال في حقه باطل وفيه جهل بأدوات البحث الحديثة، وأحيانا يضيف أن خصومه لم يفهموا معالجاته ولم يدركوا مقاصده وهم حوروها بما يتفق مع توجهاتهم، وهو ينكر ما قلته في سؤالك، ولم أسمعه يوما يعترف بها، والحقيقة أنك لو سألت أي أحد ممن يعرفون أركون أو يطلعون على كتبه فسيقولون لك إن قراءة نصوصه صعبة لعمقها ولاستخدامه للغة الفرنسية بطريقة تجنح أحيانا في الإغراق إلى الوحشي من اللغة الفرنسية، وبالتالي قد يقع المحذور بسبب سوء الترجمة وهذا ما يزعمه محمد أركون نفسه، أما أنا فأؤكد أن نصوصه صعبة، وقد كان كثير من الطلاب العرب والمسلمين في الجامعة يتعرضون له بالمناقشة والنقد وهو لديه تفسيرات مختلفة. من صعوبة التعامل مع طريقة أركون في الكتابة أنه هو من اخترع الكثير من المصطلحات الموجودة اليوم في لغة المفكرين في شمال افريقيا التي يستخدمونها في مقابلة مصطلحات اللغة الفرنسية، وهو يعتقد أن هناك مصطلحات في اللغة الفرنسية استخدمها ولا وجود لها أساسا في اللغة العربية ويعترف أنه يعجز أحيانا في نقلها أو ترجمتها إلى اللغة العربية لضعفه في اللغة العربية. ما موقفك من كلامه الذي يقول في كتابه (تاريخية الفكر العربي الإسلامي) «السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف حصل أن اقتنع ملايين البشر أن الشريعة ذات أصل إلهي؟» الأمر الذي يعني صحة نقل القرآن إلينا عبر المصحف، وصحة نسب هذا القرآن إلى الله؟ المترجم هو الذي يقول وليس محمد أركون، وهو الذي يزعم هذا الكلام، أما أنا فأقول إن كان محمد أركون قال هذا الكلام فقد خرج من الملة، وإن كان لم يقله فهو ليس مسؤولا عمن ترجموا كتبه بالضرورة، وأنا أعتقد أن أفضل واحد ترجم أفكار محمد أركون ونقلها بطريقة أقرب لتفكيره هو هاشم صالح، لكن الكثير من الترجمات الأخرى لم تكن موفقة. ما رأيك في تكفير الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي لأركون بعد قوله: إن القرآن محرف ومحشود بالأساطير الخرافية والمغالطات التاريخية، ويتميز بالإقصائية والعنف والهيجان والتشنج، وإن أسلوبه يتميز بالفوضوية والنواقص الأسلوبية، وإن الصحة الإلهية للقرآن مشكلة معضلة ليس لها حل وليس عليها دليل؟ ربما بنى الشيخان فتواهما على النصوص التي نقلت لهما، وأنا عندما أقرأ ما ورد في سؤالك من نصوص مترجمة أعتقد أنه خرج من الملة وأنه قد كفر، لأن النص القرآني نص مقدس ولا يمكن أن يعمر قلب انسان ايمان ما لم يكن مؤمنا بأن القرآن وحي منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه نقل الينا كما نزل من عند الله سبحانه وتعالى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أعذر الشيخين إن كانا قد بنيا فتواهما في تكفير محمد أركون على أمور حقيقية وليست محرفة، لكنني أكرر بأن محمد أركون يتبرأ من مثل هذه الأقوال. علاقة تصادمية لماذا نشعر دائما أن هناك علاقة تصادم دائمة بين المثقف أيا كان وبين الدين؟ أنا أعتقد أن هذه مسألة تاريخية قديمة على الرغم من أن الثقافة العربية على وجه التحديد هي في الأصل ثقافة «مؤمنة»، لأنها ثقافة يسندها كتاب مقدس وهو القرآن الكريم حيث لا يوجد لغة في تاريخ البشرية كلها يسندها كتاب مقدس سوى اللغة العربية، وهو الحافظ لهذه اللغة، وهو البوصلة الحقيقة لتوجهاتها وثقافتها، وفي كتابي (قال ابن عباس.. حدثتنا عائشة) كان العنوان الفرعي للكتاب هو «في تآخي الأدبي والشرعي في الثقافة العربية»، والكتاب كله ينصب على تأكيد هذه الفكرة، منذ أن نزل القرآن بلغة العرب وكان معجزا في بلاغتهم وفصاحتهم، وبالتالي فهو نص مقدس وفي نفس الوقت هو نص بلاغي يعلن التحدي للعرب في فصاحتهم وبلاغتهم وبالتالي فقد كان ذلك التحدي تحديا للشعر على وجه الخصوص، فهو كان الشكل القولي البلاغي المنفرد عند العرب، وقد صار ذلك التآخي بين «الشرعي» و«الأدبي» شكلا متصلا للثقافة العربية إلى يومنا هذا، وخذ الأدباء أو الشعراء من المبدعين المسيحيين باللغة العربية، لا بد أن تجد في لغتهم ما أشرت اليه قبل قليل وأسميته اللغة «المؤمنة» رغم عدم انتمائهم عقائديا للدين الإسلامي، فالثقافة العربية هي ثقافة «دينية» في الأصل، وهذا لا يعني أن ليس هناك أناس خرجوا عن هذا الخط واختطوا طريقا آخر مثل أي مجتمع يحدث فيه مثل هذا وبالتالي حدث التصادم، لكنه في أغلب الأحيان يكون تصادما مفتعلا وليس حقيقيا من وجهة نظري. ولماذا يهاجم مثقفونا الرموز الدينية ويضعونها هدفا لتسلقهم هرم الشهرة؟ هذا الوضع ينتمي إلى منظومة أخرى من الأنساق، بمعنى أن المثقف يشعر أن الرموز الدينية تمثل له نوعا من أنواع السلطوية التي تتوخى الهيمنة، وهو ما يعتقد أنه يمكن أن يوقف طموحه وجموحه نحو الإبداع، وبالتالي فهو يتخذ من السلطة كلها موقفا سلبيا، ومن ذلك السلطة التي تفرض عليه باسم الدين . المثقف في حقيقة الأمر في داخله جذوة الثقافة «المؤمنة» والتصادم يكون في الحدود المعقولة والمقبولة من الناحية الإبداعية، وفي هذا الإطار فإن ما أسميته أنت هجوما على الرموز الدينية أسميه أنا سجالا بين قطبين ثقافيين متناظرين وليسا بالضرورة متحاربين أو متخاصمين وهذا لا يعني أنه ليس في الثقافة العربية زنادقة وخارجون عن الملة، بل يوجد مثل هؤلاء. تيار ليبرالي الحديث أكبر من مجرد مثقف يا دكتور، فهناك تيار ليبرالي من مجموعة مثقفين وكتاب ولنا في موقفهم من الشيخ سعد الشثري مثلا؟ ما حدث لفضيلة الشيخ سعد الشتري أمر مؤسف، وهو وقع ضحية لتصفية حسابات بين مؤسستين أو بين فريقين أو بين اتجاهين في مجتمع واحد، والحقيقة أن غير المحافظين كانوا يعتقدون أن المحافظين قد مارسوا تجاههم تصرفات سلبية وفيها تحريض للدولة وللمجتمع عليهم، وبالتالي فهم في فترة ما أصبحوا هم من يتربصون بالفريق الآخر ويقيمون الاحتفالات إن صح التعبير لأي خطأ أو اجتهاد وهذه مقبولة عندما يكون الموضوع موضوع «فكرة» وليس شخصا بعينه، لكن حينما تتحول إلى الشخصنة فهنا تصبح المشكلة كبيرة فعلا، ولكنني لا أؤيد ما حدث للشيخ سعد فقد نتفق معه وقد نختلف، أما التنكيل والشماتة فهما ضد مفهوم الثقافة الشامل، ليس بمعناها الأنثوبيولوجي، ولكن بمعناها الآخر، فأنت إذا ارتكبت بعض الأخطاء في حق مسيرتك أو اتجاهك فلا تمارس أو تؤيد نفس الأخطاء، فهذا ليس موقف المثقف وإنما هو موقف المنتقم. هناك من يقول إنك تراجعت عن ليبراليتك وتتهرب منها كما تبرأت مع أتباع الحداثة من منهجهم خصوصا بعد دخولك مجلس الشورى؟ هذا كلام غير صحيح وما أقوله معك اليوم هو نفس ما قلته عندما كنت في مجلس الشورى وبعد مجلس الشورى، ولا أعتقد أن هناك محظورا يستدعي أن يكون لي خلاف هذا الموقف طيلة مسيرتي في الثقافة أو الإعلام. البعض يرى أن الليبرالية السعودية ثوبها فضفاض وغير مرئي؟ مفهوم الليبرالية مفهوم غامض في مجتمعنا العربي والسعودي على وجه الخصوص، وليس له حدود بينة، وبالتالي فالمجتمع أمامك وبهذا المستوى من المنظور مقسم إلى قسمين: إما متدين ومحسوب على التيار الديني المحافظ، أو ليبرالي، فليس هناك شيء ثالث، ومن ثم فإن لم تكن فيك ملامح الفريق المحافظ فأنت تلقائيا ليبرالي، وفي الحقيقة أنا أؤمن أنه يمكن أن يكون في كل مجتمع محافظون وليبراليون (تجاوزا) وليس مطلوبا من الليبرالي أن يتبنى مقومات ومحددات الفكر الليبرالي كما ظهر في بيئته الأصلية، أي في مجتمعات تختلف عن مجتمعنا في عقائدها وفي ثوابتها، أو أحيانا تتناقض معها، فمن حقه أن يختار هو ليبراليته التي تطمح إلى الذهاب إلى أبعد نقطة لحرية التعبير مثلا فيما لا يخالف أو يناقض الثوابت الدينية والأخلاقية، بمعنى أن الليبرالية عند المسلم مثلا تصبح مفهوما له مسؤولية أخلاقية وسلوكية، فهو ليس مفهوما منفلتا بلا ضوابط، وهو ليس مفهوما يتوخى الانحلال والتفسخ. ولا ننسى أن ديننا الحنيف نفسه حث على احترام إنسانية الإنسان وقدسيتها وهذا وحده يشمل الكثير من المبادئ التي نادت بها الليبرالية. هل يمكن أن نذهب بالحرية إلى أبعد مدى في مجتمعنا السعودي يا دكتور؟ بالطبع لا، نحن لا نستطيع في مجتمع محافظ ومسلم مثل المجتمع السعودي أن نذهب إلى أبعد مدى ممكن في الحرية فلدينا ضوابط ينبغي أن تكون محترمة. هذا ما دفعني لأن أسأل: كيف يمكن لمثقف أن يفرح بسجن مثقف آخر كما حدث في عالمنا العربي؟ موضوع الليبرالية شديد الحساسية تجاه القمع والإلغاء ومصادرة حق الآخر في أن يكون على الصورة التي يريدها هو لنفسه، ومن ثم فأنا أستغرب كيف يمكن لمثقف أن يحتفي بسجن مثقف آخر حتى لو كان مثقفا دينيا لأن هذا ضد الليبرالية، وأنا أعتقد أن الليبرالية السعودية والعربية ليبرالية مزيفة ولا تتفق مواقفها مع مبادئ الليبرالية. مشكلتنا الثقافية دعنا نغير بوصلة الحديث للخوض في ثقافتنا السعودية التي يرى البعض أن ليس لها بوصلة واضحة؟ الثقافة في المملكة تعيش أزمة حقيقية من سنوات طويلة وما زالت قائمة حتى الآن لجانبين أساسيين: أولا: أن هذه الثقافة ظلت عالة على عدد من الجهات الحكومية تتخطفها يمينا وشمالا وبعد أن قررت الدولة دمجها في مكان واحد تحت مظلة وزارة الإعلام لتصبح وزارة الثقافة والإعلام لقيت مصيرا أسوأ، إذ انصب الاهتمام الأساسي على الإعلام وأهملت الثقافة، فالأندية الأدبية ما زالت على حالها وكذلك جمعيات الثقافة والفنون أصبحت أفشل وأضعف مما كانت عليه في السابق. ثانيا: ما زلنا نؤمن في المملكة أن الثقافة ليست بذلك الأمر المهم وإنما هي نوع من الترف أكثر من أي شيء آخر تقريبا «خرطي» وبالتالي لم نعلم الجمهور أن هناك ثقافة يجب العمل عليها وعلى إنتاجها، والحل دائما في المجتمعات هو حل ثقافي قبل أي شيء آخر ويستوي مع الحل الاقتصادي والسياسي في نفس الموقف. لماذا لا نعي كمواطنين حجم ثروتنا الثقافية؟ المملكة لها صورة ثقافية ولديها ثروة لا توجد في أي مكان في العالم وهي الوحي والنبوة ومكة والمدينة كأراض مقدسة وكان بإمكان هذه العناصر أن تحول المملكة على مدى التاريخ إلى مصدر إشعاع للعالم الإسلامي كله، وبالتالي كراع حقيقي للثقافة العربية والإسلامية على مستوى العالم، فلا أحد يتقدم على المملكة في هذا الشأن، وقد حاولت إيران أن تنتزع شيئا من هذه القوة التي تتمتع بها المملكة لكنها لا تمتلك المكونات والعناصر التي نمتلكها. فكيف نسمح لإيران أن تتقدم علينا في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي وهي لا تمتلك الأدوات التي نمتلكها، وبالتالي كان ينبغي أن تكون صورتنا أمام العالم هي صورة ثقافية في مفهومها الشامل ونحن مصنع الثقافة العربية أضف لذلك أن أصل العرب وأصل الأرومة من هذه الأرض فمن يستطيع أن يتقدم على المملكة، وللأسف أن هذا الجانب لم يجد الاهتمام والعناية التي تجعله أكثر وهجا. هل هذا هو دور المثقف أم دور الجهة التي ترعى المثقف؟ هو دور الدولة في الأساس، أما المثقف فيبحث عن مظلة قوية تدعمه ماديا ومعنويا وإيمان من المجتمع والدولة بهذا الدور الذي ينبغي أن يؤديه على مستوى العالم. أكبر من المهرجانات والمعارض المتنقلة؟ هذه تفاصيل، وأحيانا بعض المهرجانات التي تقام عندنا تقام لأغراض ليست ثقافية صرفة، والتنوع الثقافي الموجود في بلادنا ثري جدا لا تضاهيه أي مجتمعات أخرى، فنحن إلى اليوم لم نكتشف ثراءنا الثقافي في هذه الجزيرة المترامية الأطراف المتعددة الثقافات سواء على مستوى العادات أو الأعراف أو الفلكلور أو على الموسيقى والرقص أو الأكلات أو على مستوى الآثار التاريخية التي قل أن يوجد مثلها في أي مجتمع عربي آخر وهي لم تكتشف إلى الآن وهذه مشكلة، وهذه هي الثروة الحقيقية للمملكة التي لا تنتهي على مختلف الدهور والعصور، وليس النفط الذي قد ينتهي في يوم ما، وبالتالي هو الذي يثري ويبرز. كثير من شعوب العالم لا تعرف عن ثقافتنا أكثر من أننا دولة بترولية؟ نحن مقصرون في تقديم الثروة الثقافية للسعودية ولهذا فالناس لا يعرفون عن المملكة العربية السعودية أكثر من أنها «محطة بنزين» وهذا صحيح، فإذا كان السعوديون أنفسهم لا يعرفون ثروتهم الثقافية الحقيقية الموجودة في مناطقهم المختلفة فكيف تريد من الأجنبي أن يعرف هذه الثقافة. وزارة للثقافة هذا الدور من الصعب أن تقوم به وزارة الثقافة والإعلام فقط في رأيك؟ إذا حصل الإيمان بما نتحدث فيه الآن فالشكل الإداري ليس صعبا، وأنا أنصح بأن تكون هناك وزارة للثقافة مستقلة بالكامل وتضع استراتيجيتها لإعادة اكتشاف المملكة العربية السعودية. ألا تعتقد أن الصورة الدينية في بلادنا غطت على الصورة الثقافية؟ هذا ليس سلبا، لأن الصورة الدينية هي الأساس في الصورة الثقافية التي ينبغي أن تظهر للعالم أي الدين المتسامح الوسطي وليس كما يحدث اليوم، حيث لا يخرج للعالم إلا الوجه المتطرف المغالي الذي يولد عنه مواقف قاسية تجاه المجتمعات الأخرى وتجاه مجتمعنا السعودي أيضا. ما رأيك في ما قاله المرحوم د. غازي القصيبي في ختام ملتقى المثقفين السعوديين الأول أواخر 2004م «لا أعرف نموذجا واحدا لمثقف بمواصفات إنسانية راقية، وأهداف مجتمعية عالية، ونزاهة شخصية ضافية، بحيث يمكنني أن أقول: وجدته، هذا هو المثقف! وهذا هو دوره!»؟ المثقف ليس نبيا وإنما هو بشر وأنا أؤيد المرحوم الدكتور غازي القصيبي في أن المثقف ينبغي أن يكون قدوة فكرية وثقافية. بمعنى أنه ليس كذلك الآن؟ هناك مثقفون يرومون الاضطلاع بمسؤوليتهم الثقافية في مجتمعهم، لكنهم ليسوا تحت نظر المجتمع، وأحيانا يغرق المثقف في موجة التصنيفات وموجة التأويلات وأحيانا تصفية الحسابات، وبالتالي هذا يغطي على الصورة المثالية التي يرسمها الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- للمثقف المنتظر. أي أن المثقف السعودي مستهدف حاليا؟ لا ليس مستهدفا، بل نحن غير مؤمنين بدوره الحقيقي، فنحن نؤمن بدور «الإعلامي» أكثر من دور «المثقف» لأن الإعلامي يقدم خدمات ناجزة للمجتمع وللسلطة، أما المثقف فبطيء الحركة بحكم طبيعة المنتج الذي يصدر عنه، ولأن إيماننا ليس عميقا بدور الثقافة والمثقف في النهوض بالمجتمع، ولو استطعنا أن نعيد اكتشاف الثروات الحقيقية الثقافية الموجودة في مناطق المملكة المختلفة وأن نحييها لكانت عاملا مهما في حل التطرف والغلو والنزوع إلى الإرهاب في بعض الأحيان، لأن الحلول التي تنتمي إلى جذور وبذور ثقافية هي الأكثر عدلا في إنهاء مشاكل كثيرة في المجتمع، وهي التي تستطيع أن تخترق الانسدادات التي يواجهها الشباب في حياتهم بشكل مجمل، فعندما تتكلم عن الإحباط والأفق المسدود، فالشاب المتطرف ليس لديه سوى خيار التطرف إما بحثا عن بطولة، فهو يريد أن يقدم شخصية البطل، أو لأنه لم يجد أمامه سوى طريق واحد وهو الطريق الذي يقود الغلو والتطرف. بمعنى أن الصحافة والإعلام صنعت المثقف السعودي وليس العكس؟ في تاريخ الصحافة السعودية المثقف هو الذي صنع الصحافة، ففي الأجيال الأولى التي لم نعشها لا أنا ولا أنت نشأت الصحف في الحجاز على أيدي الشعراء والكتاب وكانت الصحافة صحافة شعر ومقالات، فالمثقفون هم الذين أنشأوا الصحافة، بل حدث ذلك حتى في منطقة نجد فالشيخ حمد الجاسر محسوب على الثقافة أكثر مما هو محسوب على الصحافة والإعلام بمفهومها الحديث، فمفهوم الصحافة والإعلام في ذلك الوقت كان مفهوما غامضا، والدور الذي تقوم به الصحافة في تلك الأيام هو نشر الشعر والثقافة بأشكالها المتنوعة، لكن مع تطور مفهوم الإعلام والصحافة في المملكة أصبح لدينا اليوم إعلاميون ليس لديهم ثقافة وهكذا فقد حدث اليوم العكس، أي أنه كان لدينا مثقفون وليسوا صحفيين فأصبح عندنا اليوم صحفيون وليسوا كلهم مثقفين. الصحف الورقية د. فهد. مع ثورة الإنترنت وأنت أحد عرابيها، هل نستطيع أن نقول إن عهد الصحف الورقية اقترب من نهايته؟ أنا لا أؤمن بهذه الفكرة، وليست هناك وسيلة إعلامية تقوم على أنقاض وسيلة أخرى، فتاريخ وسائل الإعلام أثبت أن هذا الكلام الذي أقوله صحيح، فالتلفزيون لم يلغ الإذاعة، والإنترنت لم تلغ التلفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والإنترنت لم تلغ الصحف الورقية، فستظل كلها موجودة، المتغير الحقيقي هو أنه لابد أن تعمل هذه الوسائل التي سلبت منها بعض الفضاءات والمساحات التي كانت تتحرك فيها إلى تطوير نفسها لاستعادة ما فقدته، والنقطة الأخرى أن تحاول أن تتعامل مع جمهورها من زوايا ومناطق مختلفة، بمعنى أن الإذاعة التي كانت تقدم الأخبار وجاء التلفزيون ليقدم الخبر والصورة ثم جاءت الإنترنت لتقدم الخبر والصورة والتفاعل، فالكل عرف أن الإذاعة لم يعد مكانها المنزل وإنما السيارة والبرية، والتلفزيون عرف أن مهمته الأساسية لم تعد تغطية الحدث في حينه او الاستجابة لشهوات المواطن الصحفي الذي هو شديد النجاح في وسائل أخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي. هذا يعني أن انخفاض التوزيع ليس مقياسا؟ بل هو مقياس مهم، لكنه لا يعني نهاية الصحيفة، وللعلم فكل عدد من الصحيفة يقرأه ثلاثة أشخاص على الأقل، فمرض الصحيفة ليس بالضرورة دلالة على موتها بل هي بحاجة إلى معالجة. ما تفسيرك لتراجع بعض الصحف توزيعيا وما زال الإعلان طاغيا عليها؟ لو لم يكن هناك رواج للصحيفة لانخفض عنها الإعلان، فالمعلن يبحث عن مدى الانتشار، واذا تأكد أن هذه الصحيفة أو تلك لا توصل الرسالة التي يريد ايصالها سيتحول منها، ورغم انتشار الإنترنت إلى اليوم فإن نسبة الإعلانات في الصحف الورقية أكثر، وهذا لا يعني أنه ليس هناك مخاطر ولكنني أعتبرها مخاطر طبيعية، وأعتقد أنه إذا كان هناك انحسار للصحف الورقية فلن يكون هذا قبل 20 عاما من اليوم. هل ما زلت تؤيد تأسيس صحف جديدة؟ أنا مع تأسيس أي منبر إعلامي أو ثقافي أيا كان وبأي وسيلة ما دام أنه يحقق جدوى اقتصادية. هل أنت مع تحول الصحف الشاملة لصحف متخصصة؟ لا حياة للصحف المتخصصة في المجتمع العربي عموما والسعودي على وجه الخصوص (عدا صحافة المرأة)، والتجارب السابقة مثل (المسلمون) وغيرها نموذج على ذلك. بعد تجربتك في الجمع بين مناصب التحرير والإدارة في الوطن.. هل أنت مع الجمع بين منصب المدير العام ورئيس التحرير؟ الأهم هو تجسير الفجوة بين الإدارة والتحرير من خلال تشريعات وتنظيمات تسمح بنجاح فكرة التجسير نفسها، وهناك دائما حقول ألغام في المسافة الفاصلة بين الإدارة والتحرير، لكن اذا وجد التنظيم الذي يلغي هذه الألغام، فهذا هو الأفضل والأكثر سلامة، فأنا أرى أنه ينبغي الفصل بين التحرير والإدارة، فالتحرير يتفرغ لصناعة الإعلام، والإدارة تتفرغ لمساندة التحرير في تحقيق غايات إدارية ومالية لدعم مسيرة المؤسسة ووضع الخطط الكفيلة بإنجاحها. هل التشريعات موجودة فعلا؟ نعم وقد حاولنا في صحيفة الوطن أن نردم الهوة وأن تكون هناك مساحات معقولة ومقبولة تلتقي فيها الإدارة مع التحرير. هيئة الصحفيين كيف رأيت تجربة انتخابات هيئة الصحفيين، والدور الذي تقوم به؟ أنا أعتقد أن هيئة الصحفيين ولدت ميتة سواء على مستوى نظام الهيئة نفسه، أو على مستوى طريقة الانتخاب والترشيح، وبالتالي نتائج الانتخابات التي حصلت، وهي فشلت من بدايتها ولم تؤد أي هدف من أهداف أي نقابة أو هيئة صحفيين في أي مكان في العالم، وربما أريد لها أن تكون كذلك وربما حظها العاثر أوصلها إلى ما وصلت إليه منذ بدايتها، وبالتالي لا تستطيع أن تحاكم ميتا وإنما تدعو له بالرحمة والمغفرة. هلالي الهوى ما علاقتك بالرياضة؟ على المستوى الشخصي أنا مدمن رياضة وعندي صالة رياضية مصغرة في بيتي مكتملة الأجهزة أمارس فيها الرياضة ثلاث مرات أسبوعيا، لكنني فشلت كلاعب كرة في كل المراكز، ووقتي لا يسمح بمتابعة البرامج الرياضية والمباريات. الفريق الذي تميل إليه؟ بحكم المحيط التي عشت فيه في الرياض بما في ذلك مؤسسة اليمامة الصحفية التي كان منسوبوها كلهم متعصبون للهلال أصبحت هلاليا. مع أن الذين سبقوك في المجلة مثل سعد الحميدين ومحمد العمرو نصراويان؟ كانا من القلة المضطهدة!! في مؤسسة اليمامة الصحفية.