بدأ الحديث عن كيفية مواجهة العجز المتوقع للميزانية القادمة، وبدأت اقتراحات الاقتصاديين ورجالات الأعمال تترى عن أفضل سبل مواجهة ذلك العجز، غير أن التركيز كان على إصدار سندات حكومية، ربما بسبب ارتفاع السيولة المالية لدى البنوك والأفراد معا وانخفاض معدل الفائدة، لكنهم لم يتحدثوا عن الخيارات الأخرى، وكما أن التحليل الاقتصادي يفترض دائما ثبات العوامل الأخرى، فإنه يفترض أيضا وجود خيارات أخرى. التفكير في تخليق أنواع بديلة للدخل أجدى من السعي لسد عجز قد يحصل في ظل سوق نفط متقلبة، يظن البعض أن هذا يصح للمدى البعيد، وهذا الظن أبقاه بعيدا عن التفكير فيه عقودا طويلة لسيطرة المدرسة النفطية على قراراتنا الاقتصادية طوال تلك العقود الطويلة، فأبقتنا معتمدين على مصدر وحيد للدخل، وفي كل مرة تنهار فيها الأسعار يعود التفكير فيه بطريقة سطحية سريعة وكأنه مجرد خيار من خيارات مع أنه الخيار الاستراتيجي الواجب الأخذ به في زمن الرخاء والشدة. احتياطنا النقدي الحالي يخولنا البدء به، وفي مشاريع لن تطول مدة الاستفادة منها. يبلغ إجمالي الاحتياط النقدي حاليا 205 تريليونات ريال، بعد سحب 245 مليارا خلال الأشهر القليلة الماضية، وإذا قدر لميزانية العام القادم أن تقارب ميزانية العام الماضي سيكون العجز بمقدار 44 مليار ريال، وهو ليس بالرقم المخيف وقد لا يحتاج إصدار سندات لتغطيته، أخذا بالاعتبار حجم المشاريع المتعثرة والمبالغ المدورة وقدرة الوزارات على تقنين مشاريعها وإعادة ترتيب أولوياتها دون المساس بمسيرة التنمية. الأمر الأهم هل سنبقي باقي الاحتياط رهينة لسعر دولار مهتز، أم يمكننا تشغيل جزء منه لتوليد دخل إضافي من صناعات غير نفطية يمكنها تشغيل أيد عاملة كثيرة عاطلة فنصيد أكثر من عصفور بحجر. لننس الصندوق السيادي غير المحبب لوزارة المالية، لكن لابد أن هناك طريقة ما لاستثمار جزء من هذا الاحتياط الضخم بدلا من تركه أرقاما على دفاتر قد تأكلها مفاعيل التضخم. يمكننا الاستفادة أكثر من سنداتنا الحكومية لدى بيوتات المال العالمية، وبعضها قريب من حد السيولة، يمكننا المقارنة بين تكلفة تسييل هذه السندات وتكلفة إصدار سندات جديدة، الأولى سعر فائدتها منخفض وثابت، الثانية سعرها حاليا مشجع، لكن فتح بابها سيرفع السعر عملا بمبدأ العرض والطلب، فهل يمكن المزج بين الاثنتين لكسب محاسنهما. على الضفة الأخرى يمكننا التفكير في إنشاء شركات مساهمة عامة تفتح للمواطنين فقط دون البنوك، للقيام بأعمال التمويل والإنشاء والتعمير للمساهمة في مشاريع التنمية المهددة بخفض النفقات العامة. [email protected]