مر عيد الفطر المبارك، وفرح المسلمون الصائمون بفطرهم واحتفلوا بعيدهم، وأصبح من «الماضي»، وعاد الناس إلى «حاضرهم»، فمنهم شقي وسعيد. أما الشقي فهو الذي خسر «ماضيه» عندما كان «حاضرا»، وفرحته للعمل والجد والاجتهاد والطاعة، وهو – كذلك – ذلك الفرد الذي يتطلع إلى «المستقبل» بقلق، إذ تتلاعب الأسئلة بذهنه: ماذا ينتظره في الغد؟ أيربح في تجارته أم يخسر؟، أتتراكم وتتزايد أمواله وثرواته أم تتناقص؟، أيحقق ما يخطط له أم يفشل؟، أينال ما يريد أم لا ؟، عشرات الأسئلة تحاصره عندما يخلو لدقائق بنفسه، أو عندما يضع رأسه على وسادته، فيتطاير النوم من عينيه، فيصحو من غده وقد بدا عليه الإرهاق والهم والغم والحزن، فتراه شاحبا واجما، وربما بادرك قبل أن تسأله عن حاله، وراح يشتكي من حاضره وما يعانيه ويكابده، وأنت تعلم أنه على غير ما يقول في واقعه. هو لا يكذب، لكنه يترجم حالة من الخوف والقلق إزاء المستقبل، نسي ما أنعم الله تعالى عليه به في ماضيه وحاضره: المال والولد والصحة، وما أدراك ما الصحة، تلك النعمة التي لا يقدرها الكثيرون منا، والله إني لأعلم صديقا لا يستطيع شرب الماء منذ سنوات، وقد ذكرني هذا الصديق بما روي عن أن داود عليه السلام كان يشكر الله تعالى مع كل شربة ماء، ولعلنا أكثر الناس تقديرا لهذه النعمة، إذا تذكرنا «الماضي» والآباء، و «الحاضر» وندرة المياه، وما يدور حولنا من صراعات عالمية بسب قطرات المياه، نحن لا نقدر كل هذه النعم، أتعلم كم هي نعمة عظيمة أن تتقلب في فراشك في وقت حرم كثيرون من هذه النعمة؟، وما أعظم نعمة النوم التي لا نقدرها، ونستغلها أسوأ استغلال، فنجعل الليل معاشا، والنهار سباتا، على عكس سنة الله تعالى في خلقه. أما بنعمة المال والولد التي يرفل فيها معظمنا، فحدث ولا حرج. لكن صنفا من البشر ينسون «الماضي» ولا يعيشون وينعمون «بالحاضر» وجعلوا جل همهم «المستقبل»، الذي هو في علم الغيب الذي اختص بشأنه المولى عز وجل، وللأسف أن هذا الصنف أصحابه كثيرون، فقلما تجد – وبخاصة بين الشباب – من هو حامد شاكر راض بحاضره، سعيد بماضيه، آمن على مستقبله مودعا إياه بين يدي خالقه. تذكرت بيتا في قصيدة شدت بها أم كلثوم تقول فيها: قد يكون الغيب حلوا إنما الحاضر أحلى نعم، قد تنتظرنا في مستقبلنا ثروات وذريات ومناصب وترقيات لكننا لا نعلم ما إذا كان كله سيجلب لنا السعادة أم التعاسة، لكن المؤكد أن الحاضر الذي نعيشه هو واقع ملموس لكل منا، وهو أفضل وأحلى مما لا نعلمه، ويستحق منا الحمد والشكر. تلك حكاية الإنسان.. مع الزمان.