ارتبط أهل منطقة الحدود الشمالية وأميرهم الراحل بعلاقة أعمق من مجرد علاقة الحاكم بالمحكوم، تلك التي تحددها الأنظمة وترسم معالمها القوانين، تمتع عبدالله بن مساعد لدى أهل منطقته بمنزلة الأخ أو الوالد، ربما كان للعقود الطويلة التي قضاها بينهم أثرها في نسج تلك المودة وربما كان لحسن المعشر ومشاركة الأعباء أثرها كذلك، فقد ظل مكتبه مشرعا للمراجعين وطالبي الحاجات على الدوام، فلا يلزمك أن تكتب طلبا لمقابلته رحمه الله وما عليك سوى أن تنتظر بضع دقائق ليستقبلك بابتسامته اللطيفة فيزيل عنك الرهبة ويستمع إلى شكواك باهتمام، فينصفك إن كنت محقا أو يقنعك بما يحتمه النظام بلغة أبوية يعرفها من زار مكتبه وما أكثرهم! أما مجلسه فعامر بالزوار من كل الطبقات وكل الفئات يسأل القادمين من القرى والهجر عن أحوالهم وعما ينقص مناطقهم التي ساهم في بنائها وواكب تنميتها منذ أن كانت هجرا صغيرة ومجموعات من القبائل الرحل حتى أصبحت مدنا عصرية جميلة تزخر بالحياة وتنعم بالأمن، يتفقد أحوال الناس فيعود المريض ويواسي المصاب ويجيب الداعي دون تكلف، ربما كان لنزاهته دور في ما بذر له من المحبة فلم يعرف عنه وعلى مدى ستة عقود قضاها في المسؤولية سوى الاستقامة والصلاح، قد يبدو ما نرويه عن فقيدنا أشبه بالقصص التي يختلط فيها الواقع بالخيال لكنها الحقيقة التي يشهد بها الجميع هنا، كان نموذجا يصعب تكراره صاغته كاريزما القيادة الفطرية والخبرة الممتدة والرصيد المتين من المبادئ الأصيلة، ربما يصعب تفسير أو تصور هذا في زمن الإدارة الحديثة والحسابات القانونية والمادية لكن ما الذي يتمناه المواطن سوى أن يجد المسؤول عادلا نظيف اليد والضمير، وهكذا كان ابن مساعد لا يحابي ولا يتهاون في ما يخص الأمن أو العدل، يحترم كلمة القضاء فلا يتعداها ويقف عند حدود الشرع، أما في الجانب الاجتماعي فتجده دائب السعي في سد الحاجات وستر العورات وإصلاح ذات البين.