رأى أحد المواطنين قائد مركبة يسير أمامه، ثم وجده يفتح زجاج النافذة ويقذف منه علبة عصير لتطير العلبة وتصك زجاج سيارة راوي القصة ثم تتدحرج على الاسفلت ولما اقترب بسيارته من سيارة قاذف العلبة عرفه على التو أنه أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة من الجامعات، متخرج من دولة غربية يعاقب فيها القانون من يضبط وهو يرمي ورقة في الشارع أو يكسر زهرة أو يلقي بعقب سيجارة على قارعة الرصيف فتعجب من كون ذلك الأخ لم يتأثر إيجابا بما شاهده خلال دراسته وربما التزم أثناء وجوده في تلك الدولة الغربية باحترام النظام العام، وكيف أنه خلع بعد عودته ثوب التحضر ولبس ثوبه القديم الذي تعود عليه مع أن دينه يأمره بالنظافة وإعطاء الطريق حقه والمحافظة على المرافق العامة وغيرها من القيم الحضارية الإنسانية الجميلة!. وما دار في ذهن ذلك المواطن قد يدور في ذهن أي إنسان منا يتمنى أن تسود في وطنه قيم الحضارة وسلوكها العام بين جميع الناس الذين يعيشون على أرض الوطن من مواطنين ومقيمين، ويتأمل عندما يرى المرافق العامة تستخدم بطريقة سيئة والقمائم ترمى على قوارع الطرق فتنبعث منها الروائح الكريهة وتغدو مراتع للقطط الضالة وبيئة لتوالد الحشرات الناقلة للأمراض إضافة إلى مظهرها الذي يدل على تخلف وبعد عن التحضر. وقد تذكرت ما تقدم من معانٍ وصور ومواقف وأنا أطالع خبر مشاركة عدد من المبتعثين السعوديين في حملة لتنظيف شوارع إحدى المدن الأمريكية على سبيل التطوع وخدمة المجتمع وسرتني تلك المشاركة وأنها سوف ترسم صورة جيدة لمبتعثينا في أذهان أبناء المجتمع الأمريكي الذي يعيشون فيه، ولكن المأمول أن تغدو مثل هذه المشاركة عقيدة اجتماعية وحضارية راسخة في قلوبهم وعقولهم وليست مجرد غطاء خارجي رقيق حتى إذا ما عادوا بشهاداتهم إلى وطنهم فعلوا به كما يفعل الآخرون وقال كل واحد منهم «وهل أنا إلا من غزية» فأخذ يرمي بقمائمه من نافذة سيارته ويترك بقايا طعامه وشرابه في محله الذي جلس فيه بشاطئ أو حديقة عامة وركن سيارته عند المسجد أو السوق بلا مبالاة حتى لو سد بها الشارع واستخدم المنبه ليل نهار حتى يفسح الطريق له «جاكم الإعصار وخر عن طريقه» وتعامل مع الناس بفوقية وغطرسة وقال لكل من يناديه باسمه مجردا من اللقب الأكاديمي.. مزمجرا: دكتور لو سمحت. فأمثال هؤلاء وغيرهم لم يتحضروا قط وإنما لبسوا قشرة الحضارة خلال مدة البعثة ثم انقشعت تلك القشرة فعادوا كما كانوا ؟!.