قد يكون مفهومك للإنسان المتحضر محصوراً في مظهر معين أو طريقة ملابس تصنفها أنها ملابس عصرية أو على الموضة أو "كشخة"، وقد تصنف شخصا ما بأنه شخص متحضر إذا لاحظت أن طريقة كلامه منمقة وكلماته مختارة أو كما نقول بالعامية "لسانه حلو"، أو حين تجده يستخدم مصطلحات وتعبيرات تنم عن ثقافة واطلاع، أو حين تسمع صوت الموسيقى الكلاسيكية يصدح من سيارته و "سي دي" للسيدة فيروز مرمي على المقعد الخلفي، وأنت هنا خلطت مفهوميْ الثقافة والحضارة ومزجتهما مع بعض فكلاهما مفهوم متداخل. ونحن هنا ما زلنا ندور في دائرة الفرد، فلنخرج إلى دائرة الشعوب التي تتحدث عن حضارات مضت وأمجاد مخفية في كتب التاريخ أو بقايا آثار هنا وهناك ثم نتحدث عن هذه الشعوب حين نناقش مفهوم التحضر أو التعامل الحضاري، بدون أن نخلط في المفاهيم. وحتى لا نمارس لخبطة المقادير مثل أي طباخ غير ماهر لا يعرف أصول الطبخة يمكننا أن نحدد حديثنا بمظاهر حضارية معينة تتعلق بآداب السلوك العام. فمثلا يمكن لصحيفة أو لمدون انترنتي ما في أي بلد من البلاد النامية أن يضع صورة لأكوام الزبالة ويعلق تحتها قائلا:" مظهر غير حضاري"، ويمكنه أيضا أن يصور حاويات الزبالة التي بالكاد تسع لكيس زبالة واحد وهي تخدم ثلاثة منازل في حي يصنف ضمن الأحياء الراقية في مدينة كبيرة ويكتب نفس العبارة، ويمكنه أيضا أن يتوقف أمام دورة مياه في منشأة عامة " مدرسة، مطار، مستشفى، جامعة، كلية" وقد تغطت بالمياه التي لا تدري مصدرها والتي تشكل خطرا بشكلها ورائحتها ووضعها المزري. ويمكن لبرامج الفضائيات كي تملأ الفراغ أن تصور البيارات المفتوحة أو بقايا أدوات البناء التي تركها صاحبها وكأنها جزء من الشارع أو قطعة أرض في حارة سكنية تحولت لمكب لنفايات البناء لنتحدث عن طريقة تعاملنا مع البيئة ومع كل ماحولنا. كل هذه الأمور قد تفتح باب نقاش نبدأه بسؤال؛ إلى أي مدى يمكننا أن نصنف أنفسنا ضمن الشعوب المتحضرة سلوكيا؟ فهذا قد يركب سيارة بمئات الألوف من الريالات ورقما مميزا ويحمل جوالا مميزا ونظارة اشتراها قبل موسمها وساعة بربع ثمن السيارة ليفتح باب السيارة ويرمي بعلبة مشروب غازي أو يبصق من النافذة أو يرمي بمنديل متسخ وكأن الشارع مقلب نفايات عاماً! ما تعريفنا للسلوك الحضاري وللمظهر الحضاري؟!