لم يعد الحديث عن السياسة الطائفية في بغداد يلفت النظر أو يثير التساؤلات فقد بات معروفا تؤكده الشواهد والوقائع، بل وحتى الذين يحكمون هناك لم يعد يزعجهم سماعه أو الخجل منه بعد أن أصبح مكشوفا للعيان .. ومشكلة الطائفيين أنهم تجاوزوا الخصومة السياسية، مع شركاء الوطن، وما فيها من كيد، إلى الحرب المعلنة ضد كل من لا «يسلم» بالنفوذ الإيراني أو يطالب باستقلال إرادة العراقيين في وطنهم، فهؤلاء باتوا خونة وعملاء لأعداء العراق !!. وآخر المضحكات المبكيات الاتهامات الموجهة إلى سياسيين عراقيين بالعمالة للمملكة ودول مجلس التعاون وإظهارهم في صورة المتآمر على وطنهم ضد مصلحته العليا .. والحقيقة أن السبب وراء هذه «العمالة» المزعومة هو أن «وكلاء طهران» في عاصمة الرشيد لم يعودوا يطيقون وجود شركاء في إدارة شؤون وطنهم، وأن المقبولين هم من يذعنون لإرادة «السادة» إذا أرادوا أن يبقوا في المواجهة لينعموا بمكانة الأتباع أو الذيول وإلا سلطت عليهم تهم الخيانة والعمالة و«الطائفية» (رمتني بدائها وانسلت). وحتى من يحاول إزالة أسباب التوتر مع دول الجوار غير إيران لا يسلم من سهام الاتهامات. وآخر المعلومات المتسربة من الكواليس أن المالكي ينشط في الخفاء، مع المجموعة المجندة لخدمة اهداف طهران وتمكين الموالين لها، للضغط على حكومة العبادي، لتعطيل افتتاح السفارة السعودية في بغداد، رغم أن الحكومة هي التي كانت تلح على هذا الأمر لإعطاء رسائل اطمئنان بأن البلاد أصبحت آمنة وتفتح أذرعها للأشقاء والأصدقاء من أجل إعادة الحياة الطبيعية إلى الواقع العراقي .. وإذا كان المالكي قد تورط في السياسة الطائفية حتى لم يعد خافيا على أحد، فإن الوقائع أثبتت أن العبادي لا يختلف عنه كثيرا، فهما من توجه واحد ويؤديان السياسة نفسها لتحقيق الأهداف المشتركة، حتى وإن بدا العبادي «أنعم» وأقل جلافة (حتى لا أقول شيئا آخر). فها هو العبادي يحتفي بقادة المليشيا الطائفية (الحشد الشعبي) التي ترتكب من الجرائم ضد بعض أهل العراق ما لا يختلف عما يقترفه التنظيم الارهابي «داعش». هذه المليشيات يفخر بها العبادي ويشيد بدورها ويسلمها سلاح ومعدات الجيش ويرى أنها الاقدر على الدفاع عن بغداد ضد الإرهاب، متغافلا عن جرائمها الوحشية ضد فئة من مواطنيه. والحقيقة أن بغداد التي تدافع عنها تلك المليشيات ليست بغدادالعراق العروبة والتاريخ، بل بغداد «المدائن» التي يراد لها أن تحكم بأمر طهران .. ما يجري لم يعد خافيا على أحد، نظام طائفي يسيطر في بغداد ويريد لفئة محدودة ان تكون الحاكم الآمر وعلى الجميع الخضوع والارتهان لإرادتها وإلا أصبحوا في دائرة الاتهام لمعاداة الوطن والعمالة للخارج.. وإذا استمر الوضع على هذه الحال فإن بغداد للأسف ستتحول من عضو حي في جسد أمتها إلى بوابة تدخل منها رياح السموم لتلهب الساحة العربية بكل ما تحمله من جراثيم وغبار الأحقاد التاريخية، وحينها يخشى على الذين يتورطون في تغذية هذا المسار أن يكونوا ضحايا غياب الرؤيا وضعف البصيرة.