بعد نهار قصير تجاوز التسع ساعات بدقائق، عانقت عقارب الساعة السادسة مساء، وبدأت الشمس تلم أشعتها لتتهيأ للرحيل، عندها حان وقت إفطار الصائمين في مدينة ريوجراند الأرجنتينية القريبة من القطب الجنوبي، ذات النهار الأقصر في العالم. الوضع مختلف تماما في بلدة سكاجن الدنماركية في الجهة المقابلة من العالم، حيث يفترش النهار هناك إحدى وعشرين ساعة كاملة من ساعات يوم هذه البلدة الصغيرة، مما يعني أنه إذا قدر لك الصيام هناك، فستؤدي صلوات المغرب والعشاء والتراويح والتهجد والفجر، بالإضافة إلى تناول وجبتي الإفطار والسحور خلال ثلاث ساعات فقط. أمر متعب حقا، أليس كذلك؟ ربما، لكن تذكر أن النهار في قرى القطب الشمالي أطول من ذلك بكثير، فهو يمتد لستة أشهر كاملة من الانقلاب الشمسي في 21 يونيو إلى 21 ديسمبر عندما يسدل الليل أستاره الطويلة ستة أشهر أخرى، وهو عكس ما يحدث في القطب الجنوبي تماما. إلا أن الساكنين هناك (إن وجدوا) سيصومون كأقرب المناطق ذات الليل والنهار الطبيعي، لكن للأسف لم تطل هذه الفتوى القاطنين شمال أوروبا الذين تعددت بشأنهم إجابات الفقهاء، فمن قائل بصيام هذه الساعات وآخر أن يتبعوا توقيت مكةالمكرمة. بينما لم يجزم المجلس الأوروبي الاسلامي بشأنهم بعد. طبيا، لا توجد أي دراسات تدل على ضرر صيام هذه الساعات الطويلة للشخص السليم الذي يزاول عملا مكتبيا، لكن المرضى والعاملين في الحقول والمصانع قد يصعب عليهم ذلك بسبب الإعياء والجفاف. وإن كان للمرضى عذرهم الشرعي للإفطار، إلا أن العاملين يعانون من تعدد الفتاوى بالسماح لهم بالإفطار من عدمه. بعد خمسة عشر عاما من الآن وعندما يحل شهر رمضان في شهور الشتاء سينقلب الحال، فعندها سيكون نهار شمال أوروبا البالغ البرودة أقل من تسع ساعات بينما يصبح طويلا في جنوبالأرجنتين، «وتلك الأيام نداولها بين الناس». تخيل الآن أنك طالب مبتعث إلى شمال أوروبا أو تاجر استقر هناك، فماذا ستفعل بصيام هذه الساعات الطويلة؟ بالطبع لن يكون كما فعل الأعرابي الذي سئل كيف ستصوم نهار هذا العام الطويل، فقال وقد تذكر رخصة الإفطار للمسافر «والله لأشتتنه بالأسفار».