يماثل حشد الإعلانات التجارية على التلفزيونات في رمضان حشد المسلسلات والبرامج التي تنتج وتعلب ثم تبث دفعة واحدة إذا حل الشهر الكريم. وإذا أردتم الحقيقة فإننا هذا العام لا نشاهد مسلسلات بقدر ما نشاهد إعلانات تزاحم بعضها على الشاشات لتقطع أنفاسنا معها وتحرمنا متعة المتابعة التي تحترم المشاهد وجلوسه الاختياري أمام الشاشة من أجل هذا الممثل أو ذاك. أعتقد جازما أن بعض الممثلين ساءهم هذا الشلال الإعلاني الذي يتدفق كل دقيقة قاطعا تواصل الأفكار التي يقدمها المسلسل. على القنوات المصرية بالذات وصل الناس إلى مرحلة التهديد بمقاطعة برامج ومسلسلات رمضان لأن التدفق الإعلاني وقع في مطبين: الكثرة والفوضى، حيث لا تفرق الشاشة بين إعلان عن عقار بمليون دولار وبطاقة شحن ببضع جنيهات. أي أن بعض القنوات تلم إعلاناتها من الأرصفة دون معايير أو ضوابط لتسدد فواتير إنتاجها لأطنان المسلسلات. القنوات الخليجية، وإن لم تقع في مطب غياب المعايير بالكامل، لكنها افتقدت إلى وضع النسبة الإعلانية التي تتناسب مع وقت المادة التلفزيونية المقدمة للمشاهد. ما نعرفه، وعلى أهل العلم التلفزيوني أن يصححونا، هو عدم جواز تجاوز النسبة المتعارف عليها دوليا للإعلانات على حساب المادة المقدمة في أية وسيلة إعلامية، فلا يصح، في العرف الدولي المعتبر، أن تتجاوز الإعلانات في الإذاعة والتلفزيون 12 دقيقة مقابل كل ساعة بث، بينما، وهذا للعلم، لا يجوز أن تتجاوز إعلانات الصحف 30 % من المساحة الكلية للصحيفة. ويهدف ذلك، بطبيعة الحال، إلى ضمان حقوق المشاهد والمستمع والقارئ باعتبارهم الحلقة الأهم في دورة الإنتاج الإعلامي، الذي يفقد قيمته إذا خسرهم. تبعا لذلك، وبناء على ما يحدث أمامنا هذا العام، لا بد أن نعترف بأن لدينا سوقا إعلانية تلفزيونية تعاني من ضعف في معاييرها الفنية وفي إدارتها المحترفة وفي (توقيتات) بثها، التي من الواضح أنها لا تخضع لأي اعتبار للمشاهد الذي يريد أن يكسب المتعة والفائدة معا، من دون أن يقطع حبل متابعته كل ثلاث أو خمس دقائق وكأننا في حراج شعبي يتزاحم فيه المنادون على سلعهم. لذلك على القنوات التلفزيونية، الخاصة بالذات، أن تراجع خرائط برامجها وإعلاناتها في رمضان وفي غير رمضان، لأن المسألة لا تتعلق، من وجهة نظري، بكم تبث من إعلان لتكسب أموالا أكثر، بل المسألة هي كيف تحتفظ بالمشاهد الذي يستهدفه المعلن. هذا المعلن الذي سيغلق الحنفية بمجرد أن يعلم بأن المشاهدين يقاطعونك أو لا يعيرونك انتباههم.