العنف بأنواعه اللفظية واليدوية والمعنوية والعنف الخاص والعام من الظلم المحرم شرعا، وفي رمضان شهر الرحمات والعفو والتسامح تبرز حالات من التجاوز لا تنسجم مع الحالة الإيمانية التي يكون عليها الصائم، وعلى مائدة الفكر يقرأ المفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي هذه الظاهرة، يبدي تحفظه على من يعف فمه عن الشراب والطعام في رمضان ولا تعف يده ولسانه عن الأذى والفعل الحرام، وأوضح الرميحي أن العنف في عالمنا الإسلامي لم يعد تصرفا شخصيا محدودا، ولم تعد معالجته عن طريق الأمن هي الخيار الناجح والوحيد، وأضاف برغم ارتباط المسلمين بأيام روحانية وليال للتعبد إلا أن العنف يتزايد بصورة ملحوظة وأصبح ظاهرة اجتماعية بحق، لها مسبباتها الاجتماعية والاقتصادية، ولفت إلى أن دس الظاهرة تحت السجاد على أنها سلوك شخصي من أفراد، هو بعينه تجاهل للظاهرة المتنامية، وعزا الرميحي العنف إلى توتر اجتماعي عالي المستوى وعجز عقلي عن استيعاب مقاصد الشرع وإغفال لمعنى الصوم الذي هو من المشتركات الإنسانية، (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، وأكد أن الإسلام رسخ القيم الاجتماعية العميقة للمجتمع العربي وحث على مكارم الأخلاق الأصيلة وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على حاتم الطائي، علما بأنه لم يسلم وقال لمن أسر ابنة حاتم (أطلقوها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)، وتساءل الرميحي إذا كان الصيام يعني الإمساك الحسي والمعنوي عن كل ما يجرح الصيام فلماذا نرى العنف منتشرا في شوارعنا ومدارسنا وفي بيوتنا، ولماذا كثير من الجيران يعمدون إلى العنف إما بسبب وقوف سيارات أو مشاجرة صغار أو الوقوف بانتظام في صف الانتظار لخدمة ما ؟ ودون شك هناك سوء فهم للدين وتعامي البعض عن أن جميع الأحكام الشرعية في القرآن الكريم والسنة جاءت لخدمة الأخلاق، ولما سئل النبي عليه السلام عن امرأة تصوم نهارها وتقوم ليلها وتؤذي جيرانها، قال هي في النار، فالدين المعاملة والصلاة والصيام علاقة مع إله غفور ورحيم أما التعامل فهو تواصل مع البشر، فكلما كنت راقيا في التعامل احترم الآخرون ذاتك ودينك ومجتمعك، وأضاف أن من أسباب العنف إغفال العنيف دور السلطة، أو الاستهانة بها، ويرى أن القضية اجتماعية بامتياز، ويقترح أن تبدأ الحلول من اعتماد مناهج ومقررات دراسية مبكرة تعزز معاني اللطف والرحمة واحترام النظام واحترام حقوق الآخر، ونبذ أي ممارسة تقوم على احتقار أو ازدراء أو تمييز، ويذهب الرميحي إلى أن أي إشكالية تتحول إلى ظاهرة تحتاج إلى دراسة وبحث معمقين، بل وعقد مؤتمرات يشارك فيها رجال الأمن وعلماء الاجتماع والمتخصصون في الاقتصاد وعلم النفس وحتى السياسيون، كونها أزمة اجتماعية لها أبعاد اقتصادية وسياسية، ولن تحل حتى نصل إلى تعرية جذور العنف المتفشي إلى درجة أن الناس يخشون الاعتداء عليهم في الشارع، وفي كثير من الأوقات من دون سبب أو بسبب تافه، والأكبر فداحة وقوع العنف من صائم يظن أن الله في حاجة إلى أن يترك طعامه وشرابه.