أجريت الأسبوع قبل الماضي الانتخابات البرلمانية في تركيا، حيث أسفرت نتيجتها عن خسارة حزب العدالة والتنمية أغلبيته المطلقة التي كان يتمتع بها في البرلمان السابق. رغم أن الحزب، الذي هو حزب رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، حصد أغلبية المقاعد 258 مقعدا من 550 مقعدا، إلا أن الحزب خسر الأغلبية المطلقة التي تبلغ 50%+1 ( 276 مقعدا ). الأهم: أن الحزب بهذه النتيجة المتدنية يكون قد خسر ميزة التمتع بتشكيل الحكومة بصورة حصرية، كما كان الوضع في البرلمان السابق.، فهو يحتاج الآن إلى 18 مقعدا ليشكل حكومة جديدة برئاسته، بعد أن كان في البرلمان السابق يتمتع بفائض في المقاعد يبلغ 37 مقعدا. لا شك أن نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا تعد نكسة لحزب رئيس الجمهورية، لأنها تحد من طموحه لإجراء تعديلات على الدستور التركي تنال من الخلفية العلمانية للجمهورية التركية التي أنشأها مصطفى كمال أتتارك منذ ما يقرب من تسعة عقود.. وإحداث تغييرات جوهرية على النظام السياسي التركي بتحويله من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ترجح فيه كفة رئيس الجمهورية على سلطة البرلمان، مما يعزز من هيمنة رجب طيب أردوغان على قيم وحركة نظام الحكم في تركيا. سيحاول رئيس الوزراء السيد أحمد داود أغلو، الذي كلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة الجديدة، أن يتشاور مع الأحزاب الأخرى ليتوصل إلى ائتلاف حكومي يمكن من خلاله أن يظل في السلطة لفترة قادمة، وإن كان ذلك لن يغني عن الأغلبية المطلقة لحزبه. الدخول في ائتلاف يعني، بالنسبة للسيد أغلو، الدخول في نفق مظلم من التنازلات السياسية والحكم من خلال ابتزاز الأحزاب المشاركة في الائتلاف وسطوة المعارضة، وليس فقط البعد من تحقيق الأهداف الاستراتيجية لحزب العدالة والتنمية في تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم. إذا ما عجز حزب الأغلبية من تشكيل الحكومة، خلال 45 يوما، فإنه ليس أمام الرئيس إلا أن يكلف رئيس حزب آخر ليشكل الحكومة، وفي حالة فشله هو الآخر، قد يلجأ رئيس الجمهورية بتكليف زعيم العدالة والتنمية تشكيل حكومة أقلية.. لكن هذه الحكومة وبما أنها لا تتمتع بالأغلبية المطلقة، فإنها من المرجح أن تسقط في أول اختبار للثقة فيها من قبل البرلمان، مما يدفع برئيس الحكومة المؤقتة الطلب من رئيس الدولة حل البرلمان والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة. وهذه تعد من أهم الخيارات لدى حزب العدالة والتنمية لاستعادة تنظيم نفسه وكوادره وتحسين أداء برنامجه الانتخابي، ليخوض غمار معركة انتخابية جديدة من أجل أن يستعيد من جديد أغلبيته المطلقة، ومن ثم العمل بحرية تجاه تحقيق أهدافه الاستراتيجية المعلنة. بصورة عامة: الملاحظة المهمة في نتائج الانتخابات التركية، أن إرادة الشعب في ظل الديمقراطية غير مضمونة ولا يستطيع أي حزب أو تكتل سياسي أن يضمن تأييدها لما لا نهاية، دون أن يعمل على الاحتفاظ برضاها وقناعتها. أول ما سيسأل حزب الأغلبية كوادره ومؤسساته ورموزه، ما الذي حدث في الانتخابات الأخيرة التي جعلت الحزب يخسر 59 مقعدا، فيفقد الأغلبية المطلقة. ثم تتدبر زعامة حزب التنمية والعدالة في الأمور والاحتمالات التي تمكنه من استعادة ثقة الهيئة الناخبة فيه، وجعل طموحات الحزب في تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي أكثر جاذبية وتفهما وقبولا من قبل الهيئة الناخبة. الديمقراطية في النهاية ليست متغيرا تابعا في الحياة السياسة. هي متغير أصيل. لا يعني أن حزبا مكث في الحكم فترة طويلة، أنه أمن مكر الهيئة الناخبة. الديمقراطية هي الأداة والحركة ومجموعة القيم، التي تضمن سيادة الإرادة الشعبية، في أي اختبار لمعرفة اتجاه شوكة بوصلتها. بدون آلية الديمقراطية يصعب الاستدلال على اتجاه الإرادة الشعبية للهيئة الناخبة، وبالتالي: يصعب الجزم بشرعية نظام سياسي ما من عدمها. في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة جاءت نتيجتها مفاجئة للحزب الحاكم، الذي أغرته نجاحاته السياسية الماضية عن حقيقة تلمس توجه الإرادة الحقيقية للشعب، وكذا التغيرات التي حدثت، ومن أهمها تلمس الأكراد للخيار السياسي ونبذ العنف، الأمر الذي قاد لفوز حزب الشعوب الذي يمثلهم ب 77 مقعدا، ليدخلوا البرلمان لأول مرة ككتلة سياسية واحدة، فكانت المفاجأة غير المتوقعة. بصفة عامة: في النظام الديمقراطي لا يمكن لأي جماعة أو تيار أو حزب سياسي أن يخطف السلطة ويرفع سلمها معه حتى لا يتسلق عليه غيره.. وإلا لكان فعلها حزب العدالة والتنمية في تركيا، في الانتخابات الأخيرة، ومن قبله حزب النهضة في تونس.