حين تستمع إلى كوثر الأربش هذه الأيام فليس ثمة ما يمكن أن تقوله سوى أعطوني مائة كوثر، رجالا ونساء، أعطيكم مجتمعا سويا صحيح البدن ومعافى الفكر. هذه المرأة تتحمل، من قبل ومن بعد، ما لم يستطع كثيرون أن يتحملوه من ضغط المجتمع المحيط بهم. وقد كانت الطامة الكبرى، ضمن وتيرة هذا الضغط المتوالي، أن حاول البعض سلبها أمومتها بعد فقدها وليدها وحبيبها وقرة عينها الشهيد محمد العيسى. حاول كثيرون أن يمنعوا عنها حتى (الحزن) على من كان الأجمل والأروع في حياتها كما تقول كلما تحدثت عن فخرها الذي تتمناه كل أم. بل إن هناك من تفانى في تجريدها من أمومتها الفطرية لأنها ضد التيار الطائفي المشحون في كل مكان. يفقد الإنسان عقله بمجرد أن تحركه شهوات التمذهب التي يقيس الناس كل الناس، حتى الأمهات الفاقدات، عليها، فإن تماهوا مع هذه الشهوات فهم (منا) سعداء أو ثكالى، وإن اختلفوا معها فهم (علينا) في سرورهم وحزنهم. في صراع الطائفيين تنزع عنوة كل الفضائل التي تتشح بها أم فقدت بياض عينها في فاجعة لا تتحملها الجبال الراسيات. كل شيء جائز في شرع الطائفيين حتى لو كان هذا الشيء قطع الطريق على حق الأم في أن تبكي وتتوجع أو تكتب بيانا تبثه صرخاتها من أجل كل الأطفال الذين يقضون نحبهم لأن المجرمين يتربصون بهم قاتلين ومقتولين. ما ضر بعض الناس لو أنهم احترموا أمومة كوثر وتعاطفوا مع فقدها لقلبها بعيدا عن مشاحنات ومزايدات ماذا قالت وماذا فعلت.. وماذا ستقول.!! كان يفترض أن ينحى قولها وفعلها، على الأقل في هذا المصاب، جانبا، على اعتبار أن لا شماتة في الموت ولا تشفي في الفقد، ولا تزيد في حق من يذهبون إلى القبور مقتولين بلا ذنوب ارتكبوها، لا هم ولا أمهاتهم وآباؤهم. ومع ذلك فقد ضربت هذه المرأة الصامدة أروع الأمثلة على تجاوز محنة (التشفي) التي انغمس فيها بعضهم بلا أخلاق أو حدود. وأصرت على أن تبقى امرأة وطنية مخلصة تجتاز مفازات الكره والتصنيف والإلغاء أيا كان الثمن الذي تدفعه. حين يشتد الإيمان بفكرة إنسانية الإنسان يصعب أن يهتز هذا الإيمان أو يضعف أو ينهزم، وهذا هو إيمان كوثر. المنهزمون هم من يستلون سيوفهم وألسنتهم ليقطعوا الأجساد والأنفس وثمرات المحبة الممكنة. أولئك هم الطائفيون من أية ملة وعلى أي مذهب.