غدا ستصبح عجوزا إلى بعد ربع قرن بأقل أو أكثر! غدا ستصبح عجوزا سوف لن يفارقك العكاز أبدا ستمشي وحيدا وستتمتم مع نفسك كما يفعل كل العجائز. ستصبح لجوجا، ثقيل السمع وبطيء الخطا ستطلب المساعدة إن احتجت ولن يرد عليك أحد. ستحلم كثيرا بالماضي والأيام الجميلة بينما سيفكر حفيدك بالمستقبل والأيام الآتية. ستشتم هذا الجيل التافه كثيرا! وستردد كأسطوانة مشروخة كم كان جيلنا رائعا. ستصبح نكتة بين أفراد العائلة سيتندرون بك وبمواقفك التي تظنها صائبة. ستفتر عن شفتيك ضحكة ساخرة كلما ذكروا أمامك كلمات العناد والعنفوان والثقة بالمستقبل ربما ستقهقه أيضا. ستترقق عظامك بينما الأمراض ستسرح وتمرح في جسدك دون إستئذان. ستنطفئ فيك كل الشهوات إلا شهوة الموت. لا صاحب ولا صديق ستكون الوحدة سندك ورفيق دربك. ستكون دائما على أهبة الرحيل حافة القبر ستؤانسك وتغريك الكل سيغدرون بك ويبتعدون عنك وحده الموت سيتقرب منك كصديق أخير لكن ربما ستقول قبل رحيلك بقليل إذا مت، ادفنوني في مقبرة الغرباء هنا وربما سيكون هذا الكلام وصيتك الأخيرة. المحدودبة التي تود أن تلوي عنق دهشتنا لم أقف إزاءك مكتوف العينين ملأت سنواتي بالحزن وواريتك في درج اللامبالاة ثم ضحكت عليك حتى الإغماء. لم أكافئك بما ينبغي من الركض كما يفعل الخيرون! ولم أذود عن حياضك قيد أنملة كما يفعل الطيبون! رأيتك مرات كثيرة من نافذتي مريبة كاللصوص وجميلة في ثياب السأم تهبين الكآبة ومودة اليأس. لم أدن منك ولم أمنحك فروض قلبي في نقاء أرومته. آفاتك كثيرة مرعبة وضجرة لا أمان لك البتة في خلوتك تخلدين إلى الرطانة وحياكة أثواب القسوة. لم أداريك كما ينبغي ولم أساوم رعونتك ذئبة الآلام فاحشة كاللؤم وناهشة لحم البسطاء. رغم بهارجك رغم عطفك الظاهر رغم قامتك المديدة لم أتآلف معك لم أرغبك ولم ألو لك عنقي. أنت باقية في خلودك يسمونك الحياة وأنا باق في سنواتي الداكنة أنعم من خيراتك الجليلة الحزن والألم واليأس والأسى والغبار... أيتها الدرداء شكرا لك. بدد إلى آواز كالو رأيت شمسا غاربة في عينيك رموز غارقة وحكمة مهدورة تتكبد الخسارات والأوهام. ثمة ألم وطفولة زائلة رنين خافت يهيج اليأس وبتلات عمر ذابلة قبل الأوان. حزن شاسع يمتد على أصابعك حركة أنفاسك زفير اختناق حشرجة وفتنة عارمة تتوارى في صمت وخفوت. أراك، أراك عميقا تذوي كخفقة قلب أبيض. لا شيء يبقى منك لا شيء يبقى أبدا سوى هذه الكآبة الفسيحة وهذه الحركة المبددة من يديك.