تعتبر الأمومة من أقوى العواطف الغريزية لدى الكائنات الحية، ولعل هذا ما يفسر انشغال الأمهات الدائم بمستقبل الأبناء، وفي حالة مثل ما نجده لدى المواطنات المتزوجات من أجانب فإن تلك العاطفة الطبيعية تتحول إلى قلق عميق، وذلك بسبب تطلع الكثير من أولئك السعوديات الحائرات لتسهيل أمور حصول أبنائهن على الجنسية السعودية؛ من الجنسين، ولاسيما مع ضعف تفعيل القرار الوزاري الخاص بمساواة أبناء المرأة السعودية الأجانب، بالسعوديين. وقد لا يعرف الكثيرون سرعة تزايد عدد الزيجات (مختلطة الجنسية)؛ ورغم إشكالياتها النظامية، إلّا أنها أسهمت - ولا تزال - في خفض معدل العنوسة المرتفعة في مجتمعنا، كيف لا وقد تجاوز عدد أولئك السعوديات حاليا نحو 750 ألف أم؛ يمثلن نحو 11% من عدد الأمهات المواطنات في المملكة. والمواطنة بمفهومها الأولي هي انتماء الإنسان لبقعة أرض، وحصوله على جنسية دولة ما؛ سواء أكانت أصلية أو مكتسبة، وربما لا يدرك هذا المعنى البسيط إلا من افتقد وطنا، كما لا يعرف قيمة الجنسية إلا من حرم منها، وهذا هو بشكل من الأشكال وضع مئات الآلاف وربما الملايين من الأبناء والبنات (الأجانب) لأمهات سعوديات، هؤلاء الأبناء لم يختاروا آباءهم، وإنما شاءت الأقدار أن تتزوج أمهاتهم (المواطنات) من آبائهم غير السعوديين؛ لأسباب لا دخل لهم فيها، ولم يكونوا شهودا عليها، وإنما كانوا ثمارا لزيجات (شرعية ونظامية)، تم عقد أنكحتها بموافقات مسبقة من الأجهزة المعنية في الدولة؛ التي تمتلك أيضا حق الرفض. والأكيد هو أنه من الصعوبة بمكان أن يعيش الإنسان عمره في انتظار حصوله على ما يعتقد أنه حق له، في البلد الذي يشعر بانتمائه إليه، بعد أن ولِد فيه، وتربى على أرضه، وتعلم في مدارسه، وتحدث بلهجته، وتربطه به روابط وثيقة؛ في مقدمتها (حق الدم) من جهة الأم، وحق (الأرض) من جهة الميلاد، والملفت في الأمر هو أن آخر تعديلات (مهمة) تم إجراؤها على نظام الجنسية كانت منذ أكثر من 10 سنوات، ورغم أهميتها إلا أن مساهمتها كانت محدودة تجاه حلحلة مشكلة أولئك الأبناء، نظرا لاحتوائها على المزيد من الضوابط والشروط؛ التي يصعب على الكثيرين الوفاء بها. وتوضيحا لما تقدم فإن تعديل نظام الجنسية أضاف أسلوب النقاط الذي تطبقه بعض دول العالم، وأصبح لزاما على الأبناء (الذكور) للمواطنة المتزوجة من أجنبي، استكمال الحصول عليها قبل دراسة وضعهم؛ مع استثناء البنات من إمكانية التقديم، ومن أبرز تلك التعديلات اشتراط أن يكون والد تلك الأم إضافة لجدها لأبيها، سعوديين، حتى يحصل الابن على ست نقاط، أما إذا كان والدها فقط هو السعودي، فإن ابنها يحصل على نقطتين، وبالتالي فقد زادت شروط حصول الابن على النقاط السبع المطلوبة؛ وهي الحد الأدنى لتوصية اللجنة المعنية بدراسة طلبه. والمؤكد هو أن منح الجنسية السعودية هو من الحقوق السيادية للدولة؛ ولكننا نعلم أيضا أن بلادنا هي مصدر القيم الدينية السامية، ومهد الكرم، وموئل العدالة، وهذا ما يجعلني أضم صوتي اليوم مع أصوات المتطلعين إلى تخفيف شروط تجنيس أبناء وبنات أولئك المواطنات، بدءا بالسماح لهم بتقديم طلباتهم للحصول على الجنسية وهم في سن مبكّرة، مع رجاء قبول طلبات تجنيس البنات، إضافة إلى إلغاء شرط كون جد الأم سعوديا؛ وذلك بالنظر لصعوبة إثبات جنسية الأجداد؛ لعدم توفر الوثائق الثبوتية. ورغم أن الموضوع ينطوي على جانب وطني وآخر إنساني، إلا أن له أيضا أبعاده القانونية والسياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية، حيث إن حصول الأبناء على الجنسية بالشروط التي تحددها الجهات المختصة سيمكنهم من العمل بحرية أكبر؛ لإعالة أنفسهم وأمهاتهم، والدراسة في الجامعات، والالتحاق ببرنامج الابتعاث، والعلاج في المستشفيات الحكومية، والتوكل عن أمهاتهم في الدوائر الرسمية، والتعريف بهن لديها، وتوريثهم عقاراتهن بعد الوفاة، هذا إضافة لعدم التسبب في حرمان الأمهات (المواطنات) من الضمان الاجتماعي بسبب كفالتهن للأبناء، أو حرمان الأبناء من الحصول على الراتب التقاعدي في حالة وفاة الأم العاملة، وغير ذلك الكثير من مزايا المواطنة.