هذا البرنامج منذ أن بدأت فكرته قبل ثلاث سنوات، وأنا متحمس له، أولا لما قد يحدثه من مفارقة لطيفة، في بلد لا يحتفي بالسينما، الأمر الآخر تسليط الضوء على بعض المبدعين من الشباب المتحمسين لحراك سينمائي صحي وواعٍ. وهو فرصة جيدة لكرس الصورة النمطية البائسة التي أحدثتها السينما التجارية قبل عقود، والتي كرست لدى شريحة كبيرة من الناس، أن السينما شر مستطير، ووعاء لبث الفحش والتعري، والأفكار الخبيثة. الآن وبعد مشاهدة أكثر من عشر حلقات من البرنامج، عرض فيها مجموعة من التجارب السينمائية، أستطيع أن أتحدث بشبه إحاطة عن هذه التجارب المتفاوتة. في فيلم «ليمون أخضر» وكذلك فيلم «بوصلة» للمخرج مجتبى سعيد، تستبشر بمخرج يملك أدوات فنية رائعة من حيث الصنعة السينمائية، رغم استعانته بطاقم أجنبي في هذا الفيلم، إلا أن مأزق مجتبى كان في النص والسيناريو، وهذا يصور حجم الفجوة بين المخرجين السعوديين وكتاب النصوص والسيناريو، في السعودية مئات من كتاب السرد، من أمثال خالد الصامطي، منصور العتيق، محمد العرادي، وصلاح القرشي وغيرهم كثير، لماذا لا يتعاقد المخرجون مع كتاب سيناريو متمكنين، لماذا يغامر المخرج بنص مترجل رغم وجود كثير المختصين بالكتابة!. مشكلة المخرجين عندنا أن مبدأ «الفزعة» لازال يشكل عندهم طريقة من طرق النجاة، وفك الأزمات، لهذا ترى المخرج يستعين بأخيه في كتابة النص، والسيناريو، أو يستعين بشباب الحارة للقيام بأدوار كارثية قد تؤثر على العمل الفني. من الملاحظات على الأفلام، محاولة تكريس بعض الأفكار كموعظة «لبرالية» أو «دينية» بعض المخرجين يحول فيلمه الذي من المفترض أن ينحاز للإنسانية في الأساس إلى نوع من «الأدلوجة» كما يقول المفكر الكبير عبدالله العروي، لهذا أتذكر جملة الأستاذ عبدالله حبيب عن أحد الأفلام أنه «غير مؤدلج وغير مؤدلِج».. هذه العبارة لم تأتِ من فراغ، لأن هناك سمة واضحة في التجارب السينمائية المحلية، هناك أدلجة واضحة، تفسد الفن، لتكريس نوع من الخطابية والصوت العالي، مصيبة كبيرة أن تكون تجربتنا السينمائية مرتعا للسجال الفكري الحاد أحيانا. لماذا السينما الإيرانية نافست عالميا، ببساطة لأن أمثال عباس كيارستمي ومجيد مجيدي وغيرهم من المخرجين الكبار انحازوا للفن بعيدا عن خطابات الساسة، بعيدا عن أصوات المفكرين، والوعاظ، عظمة الفن انحيازه للقيم الإنسانية. هناك بعض الملاحظات مثل الإقناع، فعلى سبيل المثال فيلم «شقة 6» لم يكن مقنعا في شطره الأخير، فمن تتبع الفيلم من دقائقه الأولى إلى آخر لحظة، لا يجد أي قرائن تدل على الخطف، وهذا هفوة كبيرة في العمل. بعض الأفلام كان بحاجة لمعالجة فنية، على مستوى الصورة وخط الأحداث كفيلم «غصب 1» وبعضها بحاجة للنظر في الموسيقى التصويرية مثل فيلم «خش خاش»، وبعض الأفلام كانت تعاني سوء التأثيث مثل فيلم «هوية» فقد كانت بعض الصور مقحمة لا تناسب ما قبلها ولا ما بعدها، مما يؤثر في انسجام الصور، أما فيلم «30 يوما» فيتضح فيه الانفلات الحدثي مع تيه في الحوار، لهذا كانت المحصلة فيلم جيد من الناحية الفنية، سيء من ناحية المضمون، لكننا ننتظر من مخرج فيلم «بقايا طعام» أعمالا أخرى. إذا كان هناك فيلم يستحق أن ترفع له القبعة عاليا، فهو فيلم «مغادرة» للمخرج البارع «عبدالله آل عياف» هذا النموذج الناضج للمخرج الشاب، فعبدالله أحدث نقلة مذهلة في السينما السعودية بفيلمه الجميل «عايش». آل عياف بالإضافة إلى وعيه بالفن، وإخلاصه لمشروعه الفني، هو إنسان منحاز للإنسان، وهذا سر من أسرار نجاحه. أما بالنسبة للجنة التحكيم، فمكسب عظيم للبرنامج أن يحضر شخص بقامة الأستاذ عبدالله حبيب، رجل جمع بين الفلسفة والفن، والتجربة السينمائية والإبداعية، في مزيج مذهل أخرج لنا ناقدا سينمائيا له ثقله في البرنامج. أما الارتباك الحقيقي في البرنامج فهو حضور ناصر القصبي، ناصر ممثل جيد، لكن ليس له علاقة بتقييم الأعمال الفنية، ولا يملك رؤية ولا فلسفة فنية، لم يكن حضوره مقنعا، بل منعنا من الاستماع لوجهات نظر معتبرة من الأستاذين الكبرين حاتم علي وعبدالله حبيب، تمنيت فعلا أن يكتفي القصبي بالتقديم فقط. بالإضافة لحضور القصبي المربك، تستغرب أن يدلي الأستاذ فهد الأسطا الذي يحسب على لجنة التحكيم - بشكل أو بآخر - برأي في بعض الأعمال التي شارك في كتابتها ك «شقة 6» أو مثل فيها ك «وقائع غير مكتملة لحكاية شعبية» وهو بذلك يخرق أخلاقيات لا بد أن تتحلى بها لجان التحكيم، كيف لمحكم أن يقيم عملا شارك فيه فضلا عن أن يشيد به، الصمت كان الأولى به في هذه الحالة، مع أهمية وجود فهد في هذا البرنامج، لما يملكه من رؤى ووجهات نظر معتبرة أحيانا. هذه ملاحظات عامة عن برنامج مهم ننتظر منه الكشف عن مواهب شابة، سوف تساهم في خلق حراك سينمائي حقيقي، وإخراج أفلام رائعة، مميزة فنا ومضمونا، ومنحازة للإنسان..