مازلنا في صدد الحديث عن مشاركة أفراد من المجتمع في الرعاية الصحية تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وتقييما. وهي واحدة من التوصيات التي خرج بها المشاركون في المؤتمر الدولي الصحي الذي عقد في ولاية الجزيرة بالسودان. سألني سائل.. ترى هل هناك نماذج فعلية موجودة لمشاركة أفراد من المجتمع في تقديم برامج الرعاية الصحية. قلت نعم.. هناك نماذج بالعشرات اقتصر على بضعة منها. في قرى نارنجوال بالهند نجح المسؤولون الصحيون في نقل مسؤولية معالجة الأطفال من أمراض الإسهال والالتهابات الرئوية والتغذية من الأطباء إلى المساعدين الصحيين. ثم دربت الأم (وهي عادة أمية أو شبه أمية) بأسلوب مبسط للعناية بطفلها وحمايته من هذه المشكلات الصحية وبطرق في متناول يدها وفي أفريقيا قام الدكتور ديفيد مورلي (الحائز على جائزة الملك فيصل في الطب) بتدريب الأمهات على متابعة أوزان أطفالهن ومعدلات نموهم، وتقييد النتائج في سجلات مبسطة يحتفظن بها لديهن، ومن ثم يراجعن المركز الصحي إذا ما وجدن أن منحنى الطول و الوزن ومحيط الذراع تدني عن المستوى الطبيعي. وفي الجوف بعد أن ألقيت محاضرة عن أهمية مشاركة المجتمع في الرعاية الصحية. أقترحت أن يقوم المجتمع بمشروع لتطوير الصحة المدرسية. شارك في المشروع إدارتا الشؤون الصحية والتعليم، وجمع أفراد من المجتمع مبلغا رمزيا فيما بينهم لتمويل المشروع، كما شاركوا فيه تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وتقييما. كانت النتيجة أن ثلاثة من مدارس الجوف فازت في مسابقة عن المدارس المعززة للصحة على مستوى العالم العربي. وفي إيران مع مطلع الستينات الميلادية أقيم مشروع صحي في منطقة غرب أديربيجان. وفيه نجح المسؤولون الصحيون في إشراك أفراد المجتمع يدا بيد مع الفريق الصحي في تقديم الرعاية الصحية. ولكي يتوفر للطبيب الوقت الكافي للخروج مع أفراد فريقه إلى المجتمع لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض دربت المساعدات الصحيات على فحص الحالات المرضية، وعلاج الحالات البسيطة منها. وكانت النتيجة أن المشروع في خلال ثلاث سنوات حقق انخفاضا في معدل الوفيات لدى الأطفال الرضع، وانخفاضا في معدل الإصابات والوفيات من أمراض الحصبة، والتيتانوس (الكزاز) وشلل الأطفال والسعال الديكي. شارك في تقييم المشروع خبراء من منظمة الصحة العالمية وجامعة جونز هوبكنز الأمريكية. وسجل الأستاذ الدكتور موريس كنج في كتابه: (Maurice King. An Iranian experiment in primary health care). وفي السبعينات الميلادية حظيت بقضاء ثلاثة أيام في منطقة غرب أذربيجانبإيران لمتابعة وتقييم المشروع بتكليف من منظمة الصحة العامة. وأدعو زملائي من الأطباء وطلاب الطب للاطلاع على كتاب موريس كنج..