ما كنه هذه العاطفة التي نسميها الحب ورمزية ارتباطها بالقلب مع أنها للعقل أقرب، ففي القلب تنبض إلا أنها في العقل تتفاعل. عضلة القلب المضغة التي إذا صلحت صلح باقي الجسد كسائر أعضاء الجسم تؤمر من مركز الدماغ فتجيب. السرور والغضب أيضا عاطفتان، تسر إذا جالست من تحب، وتغضب إذا جالسك من لا تحب، وفي الحالين العقل يصدر أمره للقلب فينبض بالسرور في الأولى وبالغضب في الثانية، من هنا جاء قول علماء الاجتماع إن الإنسان السوي يضع انفعالاته على منحنى السواء، فإن حضر من لا يحب تحكم عقله بانفعالاته، والقضية تمرين كتمارين الرياضة، كلما كانت لياقتك النفسية أفضل تحكمت في انفعالاتك أكثر، بعض علماء النفس يعتبر التحكم في الانفعال أحد فروقات الإنسان عن الحيوان. الحب في أسمى معانيه عاطفة شريفة عفيفة لا يخجل منها أحد، وتعاليم ديننا تحثنا على التحابب في الله ولله، أليس إفشاء السلام محبة، والتبسم في وجه أخيك صدقة، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وكغيري أفرق بين الحب والعشق، الأخير رغبة جامحة ملتهبة غير واعية وقد تكون أنانية، بينما الحب بطبعه هادئ متزن معطاء، العاشق قد يدفعه شعور الرغبة إلى تملك من يحب لإسعاد نفسه، بينما المحب قد تدفعه عاطفته للتضحية في سبيل إسعاد من يحب. هذه العاطفة النبيلة أعرف أننا جميعا نعرفها، بيد أن السؤال من طبقها ومارس الحب كما يجب، الحب الذي أوله التبسم في وجه أخيك وآخره إعلامه أنك تحبه في الله. الحب الجامع بين قلبين عفيفين قصصه كثيرة في تاريخ كل الشعوب بكل صوره، لكن تظل علامته الفارقة أنه تضحية ووفاء، فإن كان بين زوجين فهو مودة ورحمة، غير أن الحب لا يعترف بالنهايات السعيدة وقلما يلتقيها، وربما يكون هذا سره الدفين، فكثير من المحبين مع المعرفة باستحالة النهاية السعيدة لا يملك عقله القدرة ليأمر القلب بالتوقف عنه، يظل القلب غارقا في بحره وهو الخائف أن تبتل ملابسه، فتضطرب العلاقة بين العقل والقلب فيضعف أحدهما، إذا سبق ضعف العقل يصاب صاحبه بالجنون كما حدث لقيس وغيره كثير، أو يضعف القلب فيذوي كما حدث مع كثيرين ماتوا عشقا. أدري أن مقالي هذا لن يقنع كثيرين أنه حديث في الحب، لكن في زمن السرعة حولنا والضجيج داخلنا، أزعم أنه حديث في الحب إن لم نقله أوشك «الصخب» حولنا أن يقوله.