طاحونة عصر الاستهلاك تلتهم كل شيء.. حتى تلك الازهار الرقيقة تموت صرعى تحت الجنازير الغليظة التي لا رحمة لها ولا قلب.. في عصر البيع والاعلان, تجف العواطف.. وتبدأ العلاقات الآلية.. كما يليق ب(روبوت).. كل ذلك يجعل الشباب غرباء يسيرون في التيه المديد.. يلهث في بحث مضن وطويل عن هوية.. عن خلاص ولايمل من الركض هروبا من قسوة الآلة.. الى قلب ام ينبض بالحب.. ولكن أين انت ياقلب الحبيبة المتوجع..؟ لهذا يمتد بحث الشباب الى خارج اسوار المنزل.. المشكلة تكبر وتتضخم في عيادات الاطباء النفسيين والمتخصصين الاجتماعيين. فما السبب في بروز هذه المشكلة على سطح وعمق حياة شبابنا وفلذات أكبادنا؟ وما السبب لأن يبحثوا عن الحب حتى ولو بطرق غير صحيحة؟ ما الذي يجعلهم يغرقون في الاتصالات والمهاتفات الغرامية بينهم وبين الفتيات؟ ما الذي يجعلهم يقضون الساعات الطوال في حب وغرام وهمي؟ الأكثر سيقول ان سبب ذلك ضعف الوازع الديني.. هو من أقوى الأسباب لكنه ليس السبب الوحيد حول هذا الموضوع المهم. تتحدث ل (اليوم) المستشارة النفسية والاجتماعية والمشرفة التربوية شيخة العودة فتقول: كم هو جميل وواقعي أن يرتبط حل جميع مشاكلنا بالدين فلا تحلو حياتنا إلا بالتعلق بالله ولا تصلح إلا بالدين الإسلامي الذي ارتضاه لنا.. ولن ترتاح النفس إلا مع الله خالقها. إن هدف كل إنسان هناء الروح، وطمأنينة القلب، ونعيم الخاطر، وسعادة النفس وهذا هدف حقيقي مشروع. و مكان المشاعر والعواطف هذا القلب.. الذي سمي بالقلب لكثرة تقلبه.. فما الذي يرهق العواطف ويشتت القلب؟ هذا القلب أعجوبة الأعاجيب..! في لحظة خاطفة، ينقلب من حال إلى حال.. بسبب كلمة يسمعها أو يقرأها فإذا هو غير الذي كان..! ما الذي يطغى على القلب.. ما الفيروسات والميكروبات التي تغزوه وتنشر السواد فيه؟ كيف لنا أن نتحكم في قلوبنا؟.. كيف لنا ألا نجعلها تطغى على سائر كياننا وحياتنا؟ هذه المضغة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم معبراً عن ذلك في عبارة وجيزة ولكنها كالشمس في رابعة النهار: (( ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). كثير من الأمور والميكروبات القلبية التي تغزوه فتجعله أسود مفعماً بالمصالح الشخصية مترعاً بالأهواء الجامحة، ومن ثم فليس غريباً أن يبقى الواحد منا ينظر أمام أنفه فقط، ولا يتطلع إلى الأفق البعيد، ويطأطئ تحت رجليه ولا يرفع رأسه إلى السماء..! أنه ما لم يجند كل شيء لصالح إصلاح القلوب، فإننا نكون كمن يحرث ماء البحر ويكتب على الهواء، ويقبض على الريح..!! وسنظل نراوح في أماكننا لا نبرحها، بل سنتراجع عن مواقعنا التي نحن فيها.. من سيئ إلى أسوأ، ومن أسوأ إلى ما هو أسوأ منه. حفظ الخاطر وتؤكد المستشارة النفسية والاجتماعية شيخة العودة أنه لابد بادئ ذي بدء من إصلاح القلوب، تلك هي بداية البداية، وشرارة الانطلاق ومربط الفرس يقول ابن القيم- رحمه الله:- ( القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه العشق فإنه يتمكن من القلب الفارغ). فماذا يعني فراغ القلب؟ القلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن تكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور.. وخداع وأمان باطلة وسراب لا حقيقة له فأي حكمة وعلم ينقش في هذه النفوس.. فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الرديئة لم تستقر فيه الخواطر النافعة.. وأن الخواطر الرديئة لا تستقر إلا في مكان فارغ. ولهذا بنى كثير من أرباب السلوك سلوكهم على حفظ الخواطر وألا يمكنوا خاطراً يدخل قلوبهم حتى تصير القلوب فارغة قابلة للكشف وهؤلاء حفظوا شيئاً وغابت عنهم أشياء.فإنهم أخلوا القلوب من أن يطرقها خاطر فبقيت فارغة لا شيء فيها فصادفها الشيطان خالية فبذر فيها الباطل.. وقيل أن بإصلاح الخواطر تصلح السرائر. وقد يعتقد البعض أن فراغ القلب علاجه ملؤه بالعاطفة الموصلة إلى مرض من أمراض القلوب وهو العشق الذي تعقبه المفاسد.. علاج فراغ القلب وترى شيخة العودة أن العلاج يكون بقراءة القرآن وإخلاص العمل لله تعالى فإن القلب إذا خلص عمله لله لم يتمكن منه الشيطان لأنه مليء بذكر الله عز وجل ولأنه إذا مليء بغير ذكر الله واعتقد صاحبه أن العشق علاج فراغ القلب المحتاج للعواطف وابتلي بالعشق نقص توحيده وإيمانه.. فالقلب المنيب يصرفه صارفان عن العشق.. إنابته إلى الله ومحبته. خوفه منه عز وجل.. وقد قال بشار بن برد: وما خاب بين الله والناس عامل له في التقى أو في المحامد... وما ضاق فضل الله عن متعفف ولكن أخلاق الرجال تضيق فالشاب في الحقبة الماضية من الزمن لم يكن يشعر بالفراغ العاطفي أو حتى الشكوى من الفراغ ذاته.. ومن أقوى الأسباب التي ساعدت على ذلك في تلك الحقبة هو وجود الشاب في أسرة كبيرة تتكون من جميع أفراد العائلة الأجداد والأعمام والأبوين وأولاد العائلة كلها فلا يشعر بأي نوع من الفراغ .. منزل لا حب فيه حق عليه أن يهدم وعن الآن وفي ظل استغلال البيوت وانفرادها توضح العودة أنه أصبح أكثر الشباب يفتقد إلى وجود الأب الحاني والأم الحنونة والأخت الرحيمة والأخ الصديق. الكل منشغل بنفسه وحاجته وكيفية إشباعها فلا يسمع الشاب في المنزل كلمة طيبة حانية بل كل ما يسمعه كلمات العنف والجفاف ووقوع المشاكل والتصادم الأسري فينفر الشاب إلى آخرين يسمع منهم كل كلمة طيبة وهمسات غرامية حتى لو كانت خداعا فالفراغ العاطفي يحدوهم إلى مثل هذا الصنيع. ومما يساعد أيضا على ذلك والتوسع فيه الروايات العاطفية والأصدقاء غير الناصحين والقنوات الفضائية والرسائل التي تبثها لاستغلال الثغرات والفراغات في العلاقات الإنسانية المجتمعات الإنسانية خاصة فالفردية القاتلة والعلاقات الأسرية الضعيفة والمجتمع الممزق اوجدت مناخا مناسبا لاستغلال نقاط الضعف هذه، وترويج الأفكار عن طريق أفلام تضرب على الأوتار الحساسة في هذا المناخ خاصة لدى فئات الشباب ويستعمل الفراغ العاطفي القاتل الذي يلف هذه المجتمعات وهناك الكثير من المشاهد والمسلسلات وسلسلة أفلام كثيرة تعزز أهدافا مشبوهة عن طريق التلاعب بالمشاعر ... قبل أن نفقدهم كما تشير المستشارة النفسية إلى أن كل هذا ينتج لدينا شابا يعيش فراغا عاطفيا ونتيجة لهذا الفراغ تراه يبحث عن الحب خارج أسوار المنزل مرة ومرتين وثلاثا وأكثر حتى يشبع ما بداخله من فراغ ... وهذا يجعلنا نبث رسالة قوية وكلمة ناصحة إلى بيوتنا المسلمة العربية ألا نفقد هذه السواعد الشابة والقلوب اليانعة وندفعها بجفاف المشاعر الأسرية إلى دفق مشاعر الحب وبغزارة في غير مواقعها التي تستحقها. فلماذا الأب يبخل على فلذة كبده حين يناديه ويخاطبه أو حتى يعاتبه ب (يابني) (يا حبيبي) (يا سيدي) وهكذا ... لماذا الأم لا تتفقد أحوال ولدها الشاب وتشاركه همومه وتمسح على رأسه وتقبله فمهما كبر فهو ابنها وفلذة كبدها لماذا الأخ والأخت لم يعد في المنزل سوى الجفاء وقضاء الحاجات المادية لماذا الأخ لا يتفقد أخته ويسمع منها وتسمع منها لماذا لا يتفهمون بعضهم بعضا؟ لماذا لا يتحدثون سويا؟ لماذا الأصحاب هم من يستطيعون أن يحصلوا على الاعترافات والأحاديث والأولى بها أحد أفراد الأسرة؟؟ إن فقدان الجو العاطفي في المنزل والافتقار إلى الحوار الإيجابي من أكبر الدوافع التي تدفع الشاب إلى البحث عن الحب خارج المنزل وهذا ليس عذرا مقدما للشاب أبداً أن ينحو هذه المناحي وإنما دعوة صادقة للوقوف ضد الحرب على الحب العفيف، الحب الطاهر، الحب العذب، ورفض الحب الكذوب الذي ترفضه الشريعة وتمجه الأنفس الطاهرة ويحاول (صناع الفساد) فرضه علينا بالقوة !! وحفظا لشبابنا من أن يخطوا خطوات الشيطان: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم) النور : 21 مفاتيح الاتصال مع الأبناء ترى المستشارة النفسية والاجتماعية شيخة العودة أن مفاتيح الاتصال هي: قبل أية محاولة من جانبك لتغيير ابنك ابدأ بنفسك فتغيير سلوكك هو من القنوات الهامة للاتصال وقد يكون التغيير مجدياً . إذا التزمت باللاءات الثلاث لا تلم .. لا تنتقد .. لا تتجاهل واعلم أن ابنك مدير نفسه فقد يسترسل معك في الحوار عن نفسه وقد يتوقف لذا يجب أن تتقبل مزاجه المتقلب واتبع أسلوبا آخر غير التعنيف أو الصراخ كأن تخبر ابنك عن يومك كيف كان في غيابه في المدرسة وسيبدأ هو بدوره في الحديث. أيضا لو شاركته ذكريات طفولتك التي استفدت منها قد يشجعه ذلك على الحديث معك. وحبذا لو تشارك ابنك الضحك على بعض المواقف الحياتية السارة. كذلك استخدامك مع ابنك عبارات مثل أنا أشعر .. أو أنا أحب كذا أو يعجبني كذا .. سيشعره بقربك منه فأنت تعتبره صديقا. وأخيراً لا ينبغي للاهل أن يفعلوا هذه الأمور: @ لا تلق محاضرات في الأخلاق في غير مناسبة @ لا تتحدث بصيغة المتحكم (يجب أن .. لأنني أريد @ لا تتهم (اخبرني المعلم عنك .. ) @ لا تتجاهل مشاعر وآراءه @ لا تنس أن تعتذر عندما تخطىء أمامه وزن المواقف من جهة أخرى توضح شيخة العودة إننا نعاني مواقف كثيرة، نكون فيها أكثر تجاوبا مع العاطفة، فالحل يتمثل في أن نزن مواقفنا وأن نزن أعمالنا وأن نفكر فيها، وأن نشعر بأن الله عز وجل كما خلق فينا عواطف فقد خلق فينا أيضا عقلا وحلما وأعطانا سبحانه وتعالى علما بكتابه سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فالله عز وجل قد أعطانا موازين وقيما غير هذا الميزان وحده. وحين لا نملك إلا هذه الصنعة ولا نظن إلا بهذا الميزان, فان هذا عنوان التطرف والغلو. وترى العودة أن من العدل والإنصاف, وزن الأمور والتأمل فيها, والمراجعة مما يعيينا كثيرا على تجاوز هذه النتائج والآثار السلبية, ويبعدنا عن الشطط والغلو, وكلاهما غلو, الرفض والإهمال غلو, والإغراق والمبالغة في التجاوب هو الآخر أيضا غلو, والوسط بين هذين الطريقين وبين هذين السبيلين. إنها دعوة أخيرة لأن نتحدث ونتحدث .. لكن مع أنفسنا, واليها نسأل ونجيب.. ونشجع ونعاتب.. ونصرخ ونستغيث .. بوضوح لا خداع معه.. وصدق لا تزييف فيه.. وليس اقبح من ان يكذب الإنسان على نفسه, فلنجعل ذلك كله بين حنايا النفس وخلجات الصدر .. علنا نكتشف أنفسنا بأنفسنا فنصلح ما فسد ونقيم ما اعوج, ونحن نردد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه أحد الصحابة: ( اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي) فلنبدأ المواجهة مع أنفسنا لنتأهل لما سواها, فان ذلك ادعى للتوفيق والتمكين ...(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وصية لأحبائنا أبنائنا وشبيبة الإسلام: وقد وجهت المستشارة النفسية والاجتماعية في ختام حديثها ل (اليوم) وصية للشباب والشابات تقول فيها: لقد كان شباب الصحابة رضي الله عنهم حريصين على اغتنام مرحلة الشباب من حياتهم في طاعة الله سبحانه وتعالى. كما أوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: ( اغتنم خمسا قبل خمس, شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك). مع خالص الدعوات لجميع شبابنا وشاباتنا بالراحة النفسية والقلبية والهناء العاطفي والمحبة الوارفة الصادقة وأسأل الله عز وجل أو يوفقنا وإياكم لطاعته وان يجنبنا وإياكم أسباب معصيته وسخطه ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح, انه سميع مجيب, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.