إن ما يحدث في العراق الآن (وفي غيره من البلاد العربية الجريحة) يدمي فؤاد كل عربي ومسلم. فهذا البلد الرائع والعريق، وبكل ما يمثله للأمة العربية من شموخ وإباء، وباعتباره رمزا خالدا من رموز هذه الأمة، قد ظلم ظلما فادحا.. وهو يعاني ما يعانيه نتيجة إجحاف صارخ تعرض له، على مدار نصف القرن الماضي. إنه الآن يحتضر.. وعلى بعد خطوات من الانهيار والتواري. أما سبب هذا الاحتضار فهو: ظلم قلة من بني جلدته، وكيد القوى الدولية المعادية الطامعة (التتار الجدد) إضافة إلى أطماع وعدوان إيران، وبعض «أشقائه» العرب. كل هذا أصبح معروفا، وموثقا، ولا يحتاج إلى المزيد من التفاصيل. إن من يهمه العراق، ويريد الخير له ولهذه الأمة، عليه الآن أن يفكر في: ماذا بعد ؟! ثم يسارع في مد يد العون والإنقاذ، وتبني الطرق التي تكفل الخروج من هذه الأزمة (المأساة) الطاحنة التي وإن تفاقمت مؤخرا أصابت أرض السواد منذ رحيل المستعمر البريطاني عنه، عام 1932م. لقد أضحى العراق مثالا حيا للدولة العربية «الفاشلة» .. التي وجدت لتزول، ولو بعد عقود من ميلادها. وعز وجود من يوحدها ويبنيها.. فساد فيها الاستبداد، واستشرت الطائفية، والمذهبية، بكل ما تحملانه من تبعات سلبية مقيتة. وتوج ذلك بقيام جماعات تكفيرية متطرفة ومسلحة.. تحارب كل ما هو مختلف عنها، وتدمر الأخضر واليابس، ودون أي هدف بناء، لتحتل إحداها حوالى ثلث العراق وتعلن قيام ما تسميه «دولة الخلافة الإسلامية».. ؟!. **** لقد كشفت الأحداث والنكبات المتتابعة بوضوح طبيعة كارثة العراق والدول التي تشابهه (سوريا، اليمن، ليبيا، وغيرهم). إن الحالة العراقية هي مجرد مثل يؤكد صحة نظرية: لا اتحاد دون عدل، وإن التاريخ غالبا ما يكرر نفسه. فمنذ «استقلال» العراق وهو يعاني في أغلب الأوقات الأمرين.. والأمرين هنا هما: الديكتاتورية، والتدخلات الأجنبية المعادية والطامعة. وقد ساهمت «طبيعة» التكوين المجتمعي العراقي (وما فيه من انحرافات طائفية ومذهبية) على قيام واستتباب هذين الأمرين.. اللذين كانا ومازالا بمثابة خنجرين حادين، يطعنان الجسد العراقي، على مدار الساعة. وسبب ازدهار الأمرين، ليس لعيب في الشعب العراقي ومكوناته، بل هي «الظروف» الداخلية والخارجية التي وجد العراق نفسه فيها. فالعراق مكون في الأساس من ثلاث دول رئيسة، حشرت في دولة واحدة - هذا إذا استثنينا «الأقليات» الأصغر الأخرى. السنة في الوسط والغرب، والشيعة في الجنوب والشرق، وجزء من كردستان في الشمال. هكذا شاءت بريطانيا أن يكون العراق. فهي التي رسمت حدوده، كما حدود كثير من الدول الأخرى- بالتعاون مع فرنسا- وفق اتفاقية «سايكس - بيكو» سيئة الذكر. ها هو العراق الآن يحصد سوء سايكس - بيكو، لأنه لم يأخذ بالتنظيم السياسي الناجع الذي كان سيكفل له البقاء والازدهار، رغم تعدد فئات شعبه واختلافهم الطائفي والمذهبي. فاللوم الأكبر يجب أن لا يوجه لبريطانياوفرنسا، أو لأمريكا، بل لعجز العراق عن إنجاب قلة قيادية وطنية عراقية مخلصة.. تضع العراق على الطريق الصحيح للبقاء والنمو والازدهار. ربما كانت هناك قلة من هذا النوع، ماضيا وحاضرا، ولكنها لم تمكن، لضعف فيها، أو لقوة أعدائها..