لن أجد مفارقة عجيبة في ثنايا بيان المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة، والإفتاء، والذي يعتبر أكبر مرجعية سنية في العراق، حول قراره بإيقاف الصلاة في المساجد السنية في بغداد، وغلقها إلى إشعار آخر ؛ استنكاراً للاستهداف المتكرر لمساجده، بحسب بيان رسمي صدر عنه - قبل أيام -. فبفضل ديناميكية التسييس الطائفي، الذي يمارسه - رئيس الوزراء العراقي - نوري المالكي، كان دلالة منه ؛ لتحقيق المعنى الطائفي للتشيع الصفوي. ولم يعد خافيا على أحد دوره القبيح في تأجيج الاحتقان الطائفي في تاريخ العراق المعاصر، إن قتلا على الهوية المذهبية، أو تطهيرا للورقة الطائفية، أو تهجيرا من مناطقهم، وتعريض المواطن العراقي للظلم، والاستلاب، والاغتراب. بروح الطائفية، وتشجيع الممارسات المذهبية، والاستنجاد بمرجعية النجف في كل شيء، لعبت إيران التي تقدم نفسها ممثلا للشيعة في العالم، دورا مهما في رسم توجهات العراق، تحت مسمى الطائفية السياسية، حين برزت على أرض الواقع كإحدى حقائق اللحظة السياسية الراهنة بامتياز. مع أنه - والحالة هذه - لن تخدم تلك السياسة الطائفية الحالة الأمنية في العراق، بل ستزيدها تعقيدا، وستعيدها إلى المربع الأول باستمرار التصفيات الطائفية، وانتشار العنف المسلح، وهذا ما عبر عنه بيان المجمع الفقهي العراقي، بأن : « الديمقراطية في العراق أفرزت مشروعاً بشكل، أو بآخر، يرمي إلى تغيير مفاهيم عدة، ويفتح باباً لصراعات، وحروب ترمي إلى إقامة دولة طائفية، تستهدف مكونا بعينه في وجوده، وهويته، ورموزه، ومؤسساته، وفي مقدمتها : المساجد «. استخدمت حكومة المالكي سياسة النهج الطائفي كوسيلة ؛ لتبرير عملية التمييز ضد شرائح المجتمع العراقي، الأمر الذي زاد من عمق الانقسام بين السنة، والشيعة. ووظفت - مع الأسف - تلك الورقة ؛ لتحقيق أهدافها السياسية بغطاء مذهبي، أو ديني. وكلما لاح في الأفق السياسي، توجيه مسائلة قانونية لرئيس الوزراء العراقي لجأ إلى البعد الخارجي الإيراني، وإلى نعرته الطائفية ؛ لتغطية حقده الطائفي المؤجج للصراع بين السنة، والشيعة ؛ من أجل إخضاع مكونات الشعب العراقي لإرادته بالقوة الغاشمة. وما الظلم الذي تتعرض له الطائفة السنية إلا نتيجة حتمية لسياسة التمييز الطائفي، الذي اتخذ شكلا غير مسبوق في عهد المالكي. وامتدادا للتمييز الطائفي، والعرقي الذي يشهده العراق - اليوم -، هل سيضع نوري المالكي مصلحة العراق فوق كل اعتبار، والعمل على بذل كافة الجهود ؛ من أجل الحفاظ على العراق، وإبعاده عن إثارة النعرات الطائفية المقيتة، وروح الانتقام البغيضة التي عانى منها الأمرين، ومعالجة أسباب الاحتقان الراهن، أم ستمارس دولة القانون - كما يزعم - خرقاً يوميا، برفضها الاستجابة للمطالب التي خرج لأجلها المعتصمون، وستفسح المجال لمليشيات حليفة ؛ لتصفية رموز أهل السنة ؟. - وحينئذ - سيكون الحل السياسي لخروج العراق من أزمته المتصاعدة - كما يراه المتابعون -، في استقالة رئيس الحكومة الحالي، ورفع اليد الإيرانية عن التحكم بالمسار السياسي في الداخل العراقي، - إضافة - إلى عودة البلاد إلى العمق العربي.