بعد القرارات الحكيمة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، قالت أختي الكبيرة نجلاء الآن اطمأن قلبي كمواطنة على وطني وأولادي وأحفادي، وأنهم سينعمون بوطن مثالي آمن كما أمنا نحن من قبل، فالحمد لله أن التوجه نحو تمكين الشباب، وإفساح أكبر مجال أمامهم لإدارة شؤون البلاد، كان السمة البارزة منذ أن تسنم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله مقاليد الحكم، وهو توجه يستبطن في معانيه الكبيرة، ودلالته العظيمة، بعد النظر، والرؤية المستقبلية التي يتحلى بها الملك سلمان، فما من شك أن أي دولة لن يكون في مقدروها أن تمضي في التنمية والازدهار والتقدم إلا إذا مازجت في نهجها الإداري بين حكمة الشيوخ وخبرتهم وحنكتهم مع حماس الشباب وطاقتهم الخلاقة، فضلا عن إدراك أن المتغيرات العالمية، سواء كانت هذه المتغيرات تقنية أو إدارية، تتطلب إفساح المجال أمام الشباب، بوصفهم الأقدر والأعرف بحجم هذه المتغيرات، ووعيهم بالمستجدات بما يحتم أن يكون لهم دور بارز ومؤثر، يعاضد ويرافق هذه الحركة الفوارة في الساحة العالمية. وبعيدا عن الإرهاصات التي يسوقها البعض ممن لا يريدون خيرا بنا ولا ببلادنا، فإن الرؤية العامة لهذه الخطوة تتسق بشكل أساسي وجوهري مع نهج خادم الحرمين الشريفين، الذي جلاه بوضوح منذ اللحظات الأولى لتسنمه كرسي القيادة، فالقارئ الحصيف للتغييرات الكبيرة التي أجراها المليك يحفظه الله يكشف عن توجه واضح نحو تمكين الشباب، في إطار عام أساسه راحة المواطن بتقديم أفضل الخدمات إليه، فالأمير محمد بن نايف صمام الأمن والأمان، والأمير محمد بن سلمان أظهر من الكفاءة الإدارية، وحسن قراءة الواقع، ما يبعث على الطمأنينة على مستقبل هذا الوطن وأهله، وهو يستشرف عهدا جديدا تنتقل فيه السلطة بسلاسة ويسر من الأبناء إلى الحفدة، على خلاف الهواجس التي يحاول البعض الترويج لها، وإطلاق الشائعات حولها، ونستطيع القول بكل اطمئنان أن هذه الخطوة بكل ما فيها من جرأة وحكمة وبعد نظر، قد وضعت مداميك المستقبل أمام صرح المملكة الذي يمتد بنيانه شاهقا، عاما تلو العام، منذ أن وحد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أجزاء هذه البلاد، ووضعها تحت راية التوحيد العظيمة. وحسنا فعل ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهو يسير على خطى والده الملك سلمان، بالتشمير عن ساعد الجد منذ توليه المنصب، إذ جاء قراره القاضي بإعادة هيكلة أرامكو، بوصفها من القطاعات الاقتصادية المهمة، بل الأهم في الاقتصاد السعودي، وهي هيكلة تبدو ضرورية لهذا المرفق، المسؤول عن صناعة البترول من البئر إلى المستهلك، فمن غير المعقول أن يظل الهيكل الإداري ل«أرامكو» على ما هو عليه منذ عقود طويلة، دون أن يطرأ عليه أي تغيير، خصوصا أن الشركة العملاقة استحوذت على مؤسسة بترومين وشركة سمارك بكافة أنشطتها البترولية المختلفة، برغم المتغيرات العالمية خلال هذه الفترة، ولهذا يكتسب القرار بعده المهم في كونه سيعيد الحركة والنشاط في مفاصل هذا القطاع، وتحريك جموده وسكونه، وبخاصة أن القرار رافقه تقديم رؤية من قبل الأمير محمد بن سلمان، لتجد رؤية سموه القبول من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والشروع في تنفيذ ما جاء في الرؤية بتشكيل لجنة من القانونيين لتطبيق ما ورد فيها من بنود. إن إسناد القرار من قبل ولي ولي العهد، مصحوبا برؤية جديدة لماهية التغيير، يكشف بجلاء أننا أمام فترة لا يكتفي المسؤول فيها بإصدار القرارات، وترحيل التبعات إلى الجهات المعنية، بل يبقى هو جزءا أصيلا من تقديم الحل، وإحداث التغيير، برؤية قارئة للمحيط العام الذي يشهده قطاع البترول في العالم، فلو نظرنا إلى أحد بنود هذه الرؤية والمتمثل في فصل أرامكو عن وزارة البترول، فإن هذا القرار حال تطبيقه يضع «أرامكو» أمام مرحلة عملية جديدة بما يوفر من استقلالية في صنع القرار لأكبر الشركات المصدرة للنفط في العالم، فضلا عن كونه سيمنح الشركة مزيدا من المرونة لاتخاذ القرارات على أسس تجارية متساوقة مع التوجه العالمي، مسقطا عن الشركة تبعات البيروقراطية والتكلس الإداري الذي يمسك بمفاصل العمل فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها استقلالية تتطلبها روح المنافسة في هذا القطاع عالميا، مستصحبين أيضا أن القرار لا يشي بأي حال بأن «أرامكو» ستكون بمنأى عن القرارات في قطاع النفط السعودي، لكن يمكن أن ينظر للقرار على اعتباره خطوة نحو إعادة هيكلة قطاع البترول، تتسق في شكلها ومضمونها مع قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله، والذي قضى بتشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى ليحل محل «المجلس الأعلى لشؤون النفط». جملة القول أننا أمام مرحلة جديدة في تاريخ مملكتنا العزيزة، مرحلة تستنهض فيها همم الشباب، وتفتح أمامهم البوابات والنوافذ لتقديم عطاءاتهم وبذل الجهود بأقصى ما يمكن، وإفساح المكان لهم في الصفوف الأولى ليقولوا كلمتهم، ويقودوا أمتهم، جنبا إلى جنب الآباء والأجداد، لتتكامل الصورة في أبهى معانيها لدولة تمازج بين حنكة وخبرة الشيوخ، وحماس وتطلع الشباب، ليقوم لها الميزان عدلا وتوفيقا بين جذور راسخة في الماضي، وثمار يانعة في الحاضر والمستقبل يقطفها أبناؤنا وأحفادنا بكل أمن وأمان، ويمكن الله للمسلمين حرما آمنا يرعاه أبناء المؤسس بكل صدق وإخلاص.