كان صباح أمس الأربعاء على موعد مع حزمة من الأوامر الملكية المهمة، وأبرزها قبول خادم الحرمين الشريفين لطلب شقيقه الأمير مقرن الإعفاء من ولاية العهد ومن نيابة مجلس الوزراء، واختيار الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان لمنصبي ولي العهد وولي ولي العهد، والتنصيب الأخير تم بموافقة الأغلبية في هيئة البيعة، وبعد ترشيح مشفوع بالمسوغات المقنعة والمقبولة، رفع به الأمير محمد بن نايف لمقام الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسيحتفظ الأميران الجليلان بحقيبتي الداخلية والدفاع، وبرئاسة مجلسي الشؤون السياسية والأمنية والشؤون الاقتصادية والتنمية، وعلى أن يكون الأول نائبا لرئيس مجلس الوزراء والثاني نائبا ثانيا. اختيار الاسمين جاء مناسبا تماما ولم يكن مفاجئا، خصوصا بعد نجاحات المملكة في قيادة عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن، وقياسا على الإنجازات الأمنية الضخمة للأمير محمد بن نايف في مكافحة الإرهاب ومواجهة أصحاب الأفكار الضالة، وآخرها ضبط 94 شخصا من تنظيم داعش، كانوا يخططون لتفجيرات انتحارية وعمليات شحن طائفي في داخل المملكة، وأقاموا مراكز تدريب بمنطقة القصيم يقومون فيها بتأهيل المنفذين والتحضير لأعمالهم، وفي الاختيار ترجمة عملية وتطبيق صادق لمفهوم الأصلح كما ورد في النظام الأساسي للحكم، والأوامر تضمنت إعفاء الأمير سعود الفيصل من حقيبة الخارجية لظروفه الصحية، والفيصل استمر وزيرا في نفس الوزارة لأربعين سنة، ومعظم سكان المملكة أو ما نسبته 70 في المئة لم تتجاوز أعمارهم أواخر الثلاثينات، ولا يعرفون أو بتصورون غير الفيصل وزيرا للخارجية، وقد كانت كلمات وتصريحات الأمير سعود الفيصل محل احترام وإعجاب رجال السياسة وعامة الناس من الماء إلى الماء، وهو يمثل وجها مشرقا لسياسة المملكة في الدوائر الإقليمية والدولية، ومهمة شغل مقعد الفيصل لن تكون سهلة على الوزير عادل الجبير؛ لأن المقارنة ستبقى حاضرة دائما، رغم كفاءة وتوازن الجبير في إدارة الملفات السعودية الحساسة من عاصمة القرار الدولي، عندما كان سفيرا في واشنطن، وقرابته وربما تأثره بشخصية عمه الشيخ محمد بن إيراهيم بن جبير، الذي عمل وزيرا للعدل ورئيسا لديوان المظالم ولمجلس الشورى قبل وفاته، والشيخ ابن جبير من الشخصيات الوطنية المعروفة وترك بصمة، وأعتقد أن عامل الخبرة والتجربة الطويلة في العمل السياسي لعب دورا في مواصلة تكليف الفيصل بمهام الخارجية قدر استطاعته، ولهذا السبب، ربما، رأت القيادة تعيينه مستشارا ومبعوثا خاصا لخادم الحرمين الشريفين ومشرفا على الشؤون الخارجية. الأوامر الملكية كانت متناسقة ومنسجمة، ومن الأمثلة، تعيين ابن ولى العهد السابق الأمير منصور بن مقرن، مستشارا لخادم الحرمين الشريفين بمرتبة وزير، ما يعطي انطباعا عن حجم الود والتفاهم والاحترام الموجود بين الملك سلمان وشقيقه الأمير مقرن، وتقديره الخاص لزمالة تواصلت لعقود في إمارات المناطق وفي العمل الحكومي، وللمشاركة ما بين الطرفين في إدارة منصبين رفيعين في مؤسسة الحكم السعودي، ويمكن قراءة إعفاء نورة الفايز والدكتور حمد آل الشيخ، بأنه متوافق جدا مع الرغبة الكريمة بدمج التعليم العام والعالي في وزارة واحدة، وأن فيه توحيدا للإجراءات والمهام ومنعا للازدواجية، والمهندس عادل فقيه رجل مبدع وصاحب مبادرات، وهو عراب إعانة البطالة المسماة رسميا بإعانة «حافز» للباحثين عن عمل، بجانب برنامج «نطاقات» لتوطين الوظائف في القطاع الخاص، وبرنامج «طاقات» للتوظيف الإلكتروني، وبرنامج «مساند» المعني بالعمالة المنزلية وحقوقها وهكذا، وبالتالي فإن وزارة الاقتصاد والتخطيط أفضل وأقرب لإمكاناته من وزارة العمل، على اعتبار أنه مخطط ممتاز وتاجر محترف وممارس اقتصادي من الطراز الأول. في المقابل، حضر تعيين المهندس خالد الفالح في وزارة الصحة، لينضم إلى خمسة وزراء سبقوه إلى كرسي الوزارة الأصعب والأكثر اشتعالا، ومن ثم غادروه جميعا في أقل من سنة، والفارق أن الفالح أو الوزير السادس إن جاز التعبير يشغل في ذات الوقت وظيفة رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين، ويظهر أن «أرامكو» ستدير الصحة بصورة مباشرة وبدون وسيط، وستحاول تطويع إمكاناتها الكاملة وقدرات موظفيها، والاستفادة من تجربتها ونموذجها المتفوق في حل مشكلات الوزارة المتراكمة، سواء في مواجهة الأوبئة، أو في توفير الخدمات الصحية الملائمة والعادلة وبلا تفرقة بين المناطق، أو في وقف الأخطاء الطبية المأساوية والمتكررة أو في غيرها. الملاحظ من جهة ثانية أن بعض من تم إعفاؤه من الوزراء، عين إما مستشارا لخادم الحرمين الشريفين، أو وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء، أو مستشارا في الديوان الملكي، أو أنه جمع بين وظيفتين من الوظائف السابقة، والمعنى أن الإعفاء لم يأت نتيجة لتقصير أو مخالفة أو انعدام جدوى، وإنما لتطوير العمل وتجديد الدماء والارتقاء بالوظيفة العامة، وفيه تقدير لعمل الوزراء المكلفين ومكافأة لهم على خدماتهم، ويشير إلى أن الدولة ما زالت تحتاجهم في مواقع مختلفة، وفي رأيي الشخصي، التشكيل الوزاري يرسم ملامح وتوجهات الدولة السعودية في المرحلة المقبلة، والأجمل أن يكون الختام بصرف راتب شهر إضافي لرجال الجيش والأمن، فقد قدم هؤلاء تضحيات كبيرة في الفترة الأخيرة، وتحديدا أمام الحوثي والجماعات الإرهابية والطائفية، ويستحقون بالتأكيد تكريما معنويا بجوار المكافأة المالية.. حفظ الله الملك سلمان والأميرين الجليلين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان.