ربما توقعت أن تكون الخطوط الأمامية مشتعلة على مدى الساعة، لكنني بحكم عملي كصحفي، لم أكن أتوقع أن أجد نفسي وجها لوجه مع عملية دقيقة للغاية تعني للوطن، الحماية، والحفاظ على أمنه، وتعني للأعداء الخزي والعار، والخيبة والهزيمة. ويوما بعد آخر يثبت رجالنا أنهم الرقم الصعب في حماية الوطن، هم ممن يصدق في وصفهم قول الله تعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، وهؤلاء صدقوا الله ثم الوطن والملك، استمروا على العهد وعلى الميثاق الذي أقسموا به في حماية وطنهم والذود عنه من كل معتد أثيم وضد كل من يحاول زعزعة أمنه واستقراره اللذين تنعم بهما المملكة. لا يهابون الموت، ولا يخشون الخوف، ولا تتوقف عزيمتهم عند خطوة معينة، ينحتون الصخر، ولا يهابون المخاطر، يملكون الشجاعة والجرأة، يتسلحون بقوة الله، يقدمون الحق والخير على الشر وفي وجه كل شيطان مارد، وكل عابث بأمن الوطن أو من يحاول المساس به. فلسفتهم في الحياة النصر أو الشهادة، وبقاء وطنهم شامخا، وهدفهم نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، كسبوا احترام الصغير وتقدير الكبير وقبلهم قيادتهم الرشيدة، يضحون بأنفسهم وبدمائهم وبصحتهم وبراحتهم وحتى برغباتهم من أجل الوطن. يوما بعد آخر يؤكدون للجميع أنهم حماة الوطن وأنه تتكسر على أيديهم كل النوايا الحاقدة، وأنهم العيون اليقظة والساهرة ضد الطغاة وضد المتربصين وضد كل من يحاول زراعة الفتن والقلاقل في مجتمعنا. هم رجال حرس الحدود البواسل، الذين يثبتون دائما وأبدا أنهم حماة الوطن، الذين وعلى الرغم من توقف عاصفة الحزم والإعلان عن الدخول في مرحلة إعادة الأمل، مازال الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع علي صالح لاهم لهم سوى محاولة التسلل والدخول إلى مجتمعنا والاندساس فيه والعبث بأمنه لكن رجال حرس الحدود دائما لهم بالمرصاد. الكثير ممن يعرفون خبث النوايا السيئة للحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي صالح وبالذات العسكريين كانوا واثقين كل الثقة أن توقف عاصفة الحزم والإعلان عن بدء مرحلة إعادة الأمل لن تستفيد منه هذه الشرذمة، ولن تعود إلى جادة العقل والصواب لأن هدفها الأساسي هو النيل من المجتمع السعودي، وهذا ما جعل رجال حرس الحدود البواسل ومن معهم من الأجهزة الأمنية الأخرى يبقون في مواقعهم على الشريط الحدودي تحسبا لأي تصرف أرعن قد يصدر منهم. ففي ليلة السبت الماضي ظنت هذه الشرذمة أنها قادرة على إلحاق الأذى بمجتمعنا من جهة منطقة جازان لكن رجال حرس الحدود البواسل تصدوا لهم وألحقوا بهم الخزي والعار والهزيمة النكراء وجعلوهم يولون الأدبار ويتركون خلفهم سياراتهم محترقة كانت محملة بالأسلحة بهدف استخدامها في الأراضي السعودية. وفي منتصف البارحة الأولى السبت حاولوا الدخول ثانية إلى الحدود وتصدى لهم رجال حرس الحدود وتركوا خلفهم شاحنة معطوبة، وبنباهة وذكاء البواسل عرفوا أنها محملة بالأسلحة والذخيرة وبدأوا في متابعتها ومراقبتها ورصدوا بعض الأشخاص يحاولون الوصول إليها ولكنهم خائفون من أصوات الرصاص، وما أن شرقت شمس أمس، حتى قرر وأصر قائد حرس حدود جازان اللواء محيا العتيبي أن يلقنهم بنفسه درسا لن ينسوه وأن يقول لهم مع بقية زملائه إنهم سعوديون مؤمنون ومقدسون لأرض الحرمين الشريفين، ولن يسمحوا بتدنيسها وستبقى إلى أبد الآبدين طاهرة مطهرة. ما أن أشرقت الشمس إلا وكان اللواء العتيبيي مع بقية زملائه على خط النار يتبادلون إطلاق النار مع الجانب الآخر، وعندما أيقن أنهم استنفدوا كل حيلهم التف إلى زملائه وقال لهم حان الآن وقت الرجال، وحان الآن وقت تلقين هؤلاء الأشرار درسا لن ينسوه، علينا أن نواجههم وألا نمكنهم من الوصول إلى الشاحنة، فمحاولاتهم كلها تشير إلى أنها شاحنة محملة بالأسلحة والذخيرة. وعلى الرغم من أن العديد من زملائه رفض فكرة نزوله إلى أسفل الشعب واللحاق بتلك الفئة، مبدين استعدادهم التام للنزول نيابة عنه، إلا أن كل تلك المحاولات التي بذلوها لم تثن قائدهم عن نيته، ليحمل سلاحه، ويلتفت إليهم، ويرد عليهم قائلا: روحي ليست بأغلى من روحكم وروح زملائكم الذين ذهبت دماؤهم من أجل الوطن، والتفت إلينا ممازحا تأكدوا أننا سنعود لأننا أصحاب حق، والله دائما مع الحق، وتأكدوا أننا سنلقن الحوثيين وغيرهم الذل والهوان لأنهم فكروا في المساس بأمن وطننا، وأمسك بيدنا مصافحا وقال (استودعكم الله)، ونزل منطلقا نحو الهدف، وتبعه من خلف زملاؤه الضباط وصف الضباط وعلى أصوات طلقات الرصاص الحي وأصوات انطلاق المدفعية في مواقع أخرى.. بقينا نصف ساعة نعد الدقائق والثواني ونترقب أن تلوح وجوههم أمامنا، بعدما غابت مجموعة البواسل عن أبصارنا لكنهم لم يغيبوا عن بصر الله الحامي. وإذا بنا نسمع عبر جهاز الراديو، الله أكبر، وإذا بالشاحنة الهدف تحترق أمامنا بعد أن صوب تجاهها البطل الهمام الجندي علي هزازي، قذيفة، اخترقت خزان بترولها واشتعلت.. نتج عنها صدور أصوات مفرقعات البارود، ورغم الفرح الذي ساد المجموعة التي كانت تتولى المساندة والحماية إلا أن الخوف والترقب بقي في نفوس الجميع، ولم تهدأ إلا عندما شاهدناهم والابتسامة على محياهم رغم التعب والجهد الذي كان باديا عليهم. ونسي اللواء محيا العتيبي، نفسه وهو يحتضن زملاءه ويقول لهم أنتم رجال هذا الوطن وأنتم حماته، وبوجودكم لن يتمكن أي معتد من أن ينال من مجتمعنا، ولن يستطيع أي أحد أن يطأ شبرا واحدا من أراضينا، كل يوم تثبتون للجميع أنكم حماة الوطن وأن أرواحكم ترخص للوطن. والتفت نحوي وقال ألم أقل لك إنني بحول الله سأعود ومعي الرجال ليس ثقة وإنما هو اتكال على الله، فالمولى عز وجل دائما وأبدا مع الحق وينصر الحق ونحن هنا لحماية وطننا وللدفاع عنه وللوقوف مع الأشقاء اليمنيين في عودة الشرعية إلى أصحابها بعد أن حاول الحوثيون، ومن معهم من أنصار الرئيس المخلوع، قلب كفة الموازنة في اليمن الشقيق وتحويله إلى يمن تعيس، ولكن وقف لهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملبيا نداء الواجب الأخوي، وملبيا نداء الجيرة، ونداء الإنسانية، مطلقا عاصفة الحزم التي وبفضل الله شلت الكثير من قوة الحوثيين وأعوانهم، لكنهم للأسف لم يستفيدوا من توقف عاصفة الحزم والدخول في مرحلة إعادة الأمل، حيث استمروا في بث سمومهم، وهذه المرة حاولوا التوغل إلى حدودنا ناسين أو متناسين أن الجندي المستجد في هذا الأمن لن يرضى أن تلوث حدوده حتى وإن دفع روحه ثمنا غاليا. مواجهاتنا مع الأعداء ستستمر وقال اللواء محيا العتيبي إن المواجهات مع الحوثيين ستستمر ولن تتوقف طالما أنهم قريبون من حدودنا، ولن نتهاون معهم في هذا الخصوص، وأن الأهداف التي نفذت في اليومين الماضيين كانت ضد مجموعة حاولت التسلل إلى حدودنا، ولم يمكنهم الرجال البواسل وتصدوا لهم وهذا هو المعهود في رجال حرس الحدود. الهزازي: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وصف الجندي علي الهزازي، توفيقه في إحراق الشاحنة المحملة بالأسلحة والذخيرة، بأنه توفيق من الله سبحانه وتعالى، وقال: عندما رأينا السيارة أمامنا التفت إلى قائد المنطقة وطلبت منه أن يسمح لي بالاقتراب قدر المستطاع من الهدف، وأن أصوب إليه، وأمام حماسي ورغبتي ورغبة زميلي هادي المجرشي احتضننا، وقال: إنني متأكد أنكم قادرون على حماية الوطن من هذه الشرذمة، وقادرون على التخلص من هذه الشاحنة المحملة بالأسلحة والذخيرة، توكلوا على الله والله معكم، وبدون تردد أمسكت بيد زميلي المجرشي وبدأنا في الاقتراب من الهدف وعندما شعرت باقترابنا من الهدف وقدرتي على التصويب بدقة، توكلت على الله وسميت الرحمن ورددت «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» وأطلقت القذيفة، وإذ بالنيران تشتعل في الشاحنة ويصدر منها أصوات مفرقعات الذخيرة والأسلحة المحملة وهذا فضل من الله. الحوثيون استغلوا مركز الكم أوضح العقيد الدكتور حسن عقيلي قائد قطاع حرس الحدود بالحرث ل «عكاظ» أن الخط الذي شهد مواجهة مع الحوثيين هو خط يستخدمه الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع ولهم نقاط مراقبة في أعلى الجبل «جبل الكم» القريب من الطريق الذي يربط مركز المزرق اليمني مع الملاحيط اليمني. وأضاف: بدأ الحوثيون يستغلون الطريق بهدف تحقيق أهدافهم تجاه مجتمعنا من خلال مختلف الوسائل ومنها الدراجات النارية والسيارات الصغيرة وبالنسبة لأصوات المدافع التي كانت تطلقها القوات المسلحة أثناء تنفيذ مهمتنا ميدانيا هي لتنفيذ أهداف في المزرق والملاحيط، مضيفا أن مركز الكم اليمني كان قبل أشهر مركزا للجيش اليمني، ولكن الحوثيين استولوا عليه وحولوه إلى مخازن للأسلحة قبل بداية عاصفة الحزم وهو متابع من قبلنا منذ اللحظة الأولى.