يوما بعد يوم تتضاعف الشكاوى ضد شركات التأمين، من المؤمن عليهم، في وقت يصبحون «الحلقة الأضعف» لعدم الوصول إلى حل عاجل يؤمن لهم العلاج من ناحية، أو يعيد لهم مقابل ما دفعوه ماديا من ناحية أخرى. وفي الآونة الأخيرة برزت معاناة المرضى المؤمن عليهم، مما يرتقي إلى وصفه بالظاهرة، خاصة في مستشفيات «الخمسة نجوم» والمتمثل في عدم قبول بعض الأطباء الاستشاريين التعامل مع شركات التأمين الطبي، بالرغم أنهم يعملون لدى مستشفيات مغطاة من قبل هذه الشركات، وبالتالي يلزم المراجع الراغب في العلاج لدى هذا الاستشاري دفع تكلفة الزيارة والمراجعة نقدا. وبين رفض الاستشاري وتعنت شركات التأمين، تضيع حقوق المرضى، لتنضم إلى ما تعانيه منظومة الضمان الصحي التعاوني في المملكة من سلسلة مشكلات خلقت علاقة شائكة بين الجهات ذات العلاقة بحركة هذه المنظومة «المؤمن لهم شركات التأمين الصحي مقدم الخدمات الصحية».. وللأسف باتت هذه المشكلات متعددة ومتنامية في ظل ارتفاع مؤشر الشكاوى الرسمية التي يتلقاها مجلس الضمان الصحي سنويا. 1600 شكوى تلقى مجلس الضمان الصحي التعاوني هذا العام، قرابة ألف وستمائة شكوى رسمية بزيادة 56% عن العام الماضي، حيث جاءت الشكاوى ضد شركات التأمين في مقدمة القائمة ب 1,329 شكوى (83.9%) ، و 186 شكوى ضد أصحاب العمل بنسبة 11.74%، بالإضافة إلى خمسين شكوى ضد مقدمي الخدمات الصحية بنسبة 3.15% ، فيما أحيلت 20 شكوى أخرى إلى وزارة الصحة ومكتب العمل. وصرح المجلس أن أكثر من 96% من تلك الشكاوى تم حلها وفق الإجراءات الرسمية، فيما تم إحالة 3.5% من هذه الشكاوى إلى جهات أخرى لعدم الاختصاص، كما تم حفظ 0.2% منها لعدم استكمال الأوراق المطلوبة. كما أوضح مؤخرا الأمين العام لمجلس الضمان الصحي محمد الحسين, أن غالبية الشكاوى تتعلق بعدم حصول المستفيد على المنافع الأساسية المتاحة والمحددة بوثيقة مجلس الضمان الصحي التعاوني، وشكاوى تتعلق بعدم قيام أرباب العمل بالتأمين الصحي على موظفيهم وأفراد أسرهم، بالإضافة إلى شكاوى أخرى متعلقة بالمطالبات المالية. فيما رصدت «عكاظ» عبر موقعها الالكتروني معاناة بعض مستفيدي التأمين الطبي، وتركزت غالبية المشاركات حول القضايا المتعلقة بالخدمات المقدمة من شركات التأمين الطبي، حيث أفاد أحد المشاركين أنه اضطر في إحدى المراجعات الطبية أن ينتظر موافقة شركة التأمين لإجراء بعض التحاليل الطبية العاجلة حتى اليوم التالي من المراجعة وهو أمر مخالف للأنظمة على حد قوله. وقال مشارك آخر إن شركات التأمين الطبي رفضت الموافقة على ضم والده في وثيقة التأمين بحجة أنه تجاوز سن السبعين، وقالت إحدى المشاركات أن لديها تأمين طبي في أفضل وأعلى فئة خدمات تقدمها إحدى شركات التأمين إلا أنها صدمت من عدم شمول بعض الأطباء الاستشاريين المميزين مهنيا في التغطية التأمينية بالرغم من أن المستشفيات التي يعملون بها هي ضمن شبكة التأمين. تؤكد الدكتورة سوزان الكافي استشارية نساء وولادة وأستاذة مساعدة في جامعة الملك عبدالعزيز بأن مسألة قبول أو رفض الطبيب الاستشاري للتأمين ليست برغبة منه في كل الأحوال كما يظن البعض، ويعتمد ذلك حسب اتفاق شركة التأمين مع المستشفى (مزود الخدمة)، فشركات التأمين تغطي تكلفة أتعاب الطبيب وتقوم بتسديدها إلى المستشفى المتعاقدة معه. وإذا كان تعاقد المستشفى مع الطبيب بدوام «كامل» فإنه سيتقاضى هذه الأتعاب على هيئة راتب شهري، أما إذا كان الطبيب يعمل بدوام «جزئي» فهو لا يتقاضى راتبا شهريا من المستشفى وإنما يأخذ نسبة عن كل مريض وليس لديه دخل ثابت وحقوق أخرى مثل بدل السكن والعلاج والمواصلات والتأمينات الاجتماعية، وبالتالي فإن التأمين لا يغطي تكلفة أتعابه. وجهات نظر الاستشاريين لكن المهندس صبحي بترجي، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة مستشفيات خاصة، يرى أن بعض الأطباء الاستشاريين لديهم وجهات نظرة مختلفة حول أسباب عدم رغبتهم أو رفضهم للتعامل مع شركات التأمين الطبي أو البعض منها، ففي بعض الحالات تتأخر هذه الشركات في سداد التزاماتها تجاه الطبيب أو تقوم بخصم تكلفة بعض الإجراءات أو الفحوصات الإضافية التي يقوم بها الاستشاري بل وقد تختلف شركة التأمين مع الاستشاري في الرأي حول أهمية بعض الفحوصات والتحاليل التي يطلبها من المراجع وترى أن لا داعي لها، وبالتالي قد يشعر بعض هؤلاء الاستشاريين بأن حقوقهم هضمت وليس لديهم الوقت الكافي لمراجعة شركات التأمين ومناقشتها كما تفعل المستشفيات الكبيرة التي تقوم بدور متابعة حقوق الأطباء لدى شركات التأمين، ولكن ومع ذلك هناك العديد من الأطباء الاستشاريين الذين يقبلون بالتعاون مع العديد من شركات التأمين الكبيرة، وبالتالي سيجد المرضى في المستشفيات عدة بدائل لأسماء استشاريين أكفاء في أغلب التخصصات ويقبلون التأمين الطبي. ظاهرة عالمية ويرى الدكتور فؤاد عزب مدير عام مستشفى خاص أن ظاهرة الأطباء الاستشاريين الذين يرفضون الارتباط مع شركات التأمين الطبي هي ظاهرة عالمية وموجودة في العديد من المستشفيات الخاصة في دول متقدمة في مجالات الرعاية الصحية مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها، ولديهم الأسباب الكافية لذلك، فعلى الرغم من أن البعض يرى أن هؤلاء الاستشاريين المتميزين «يتمردون» على أنظمة وقوانين شركات التأمين لأهداف مادية، إلا أن السبب الحقيقي لا يعود لرغبتهم في اكتساب المال فهذه النظرية خاطئة، بل هم متمردون على الأنظمة والقوانين التي تحد من رغبتهم الصادقة في إعطاء الطبيب حقه بالتمام والكمال دون إجراءات معقدة وشروط موافقة مسبقة من قبل شركات التأمين لإجراء التحاليل وبعض الفحوصات اللازمة بسبب اشتراطات بوليصة التأمين، ولذلك يريد هؤلاء الأطباء التحرر من قيود التأمين التي في نظرهم تحد من إعطاء المريض جميع حقوقه التي يراها الطبيب، وبالتالي فإن هدف هؤلاء الأطباء هو الوصول إلى التشخيص الصحيح دون أي معوقات قد تتسبب في قصور في التشخيص.. مجلس الضمان الصحي : طبيعة العقد ملزمة وخاطبونا عند المخالفة أوضح المتحدث الرسمي لمجلس الضمان الصحي التعاوني نايف الريفي أن شركات التأمين الطبي تدفع مبالغ مالية لمقدم الخدمة لأجل الحصول على الخدمات العلاجية، ومستوى هذه الخدمات تحكمها آلية العقد بين شركة التأمين ومقدم الخدمة ووفقا لاشتراطات اللائحة التنفيذية لمجلس الضمان الصحي، ولذلك طبيعة العقد بين مزود الخدمة وشركة التأمين وما بين مزود الخدمة والاستشاري هي من تحكم في مسألة عدم شمول بعض الاستشاريين في التغطية التأمينية، ولذلك قد لا يلزم بعض الاستشاريين في المستشفيات بالتعامل مع شركات التأمين الطبي. وبين أنه بالنسبة إلى مجلس الضمان الصحي فقد وضع بوليصة موحدة بها شروط عديدة بالإضافة إلى الحقوق والواجبات, وتهدف بذلك إلى تنظيم العلاقة ما بين مزود الخدمة وشركة التأمين والمؤمن له، للارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة وضمان الحفاظ على حقوق المرضى وشركات التأمين ومزود الخدمة، وفي حال وجود أي مخالفات بالنسبة لعدم تغطية العلاج، فيجب أن يخاطب المتضرر مجلس الضمان الطبي الذي بدوره يدرس الحالة وإن رأى أنه لا يوجد ما يمنع من تغطية الحالة، فسوف يتم إلزام شركة التأمين بتغطيتها.. 9,6 ملايين تحت التغطية التأمينية ل 28 شركة بحسب آخر إحصائية صادرة عن مجلس الضمان الصحي التعاوني في 2014, يقدر عدد الأشخاص المؤمن لهم طبيا في المملكة بحوالى 9 ملايين و 600 ألف شخص، فيما بلغ عدد مقدمي خدمات الرعاية الصحية 2,521 مقدم خدمة وتتعامل مع 28 شركة تأمين صحي مرخصة من قبل مجلس الضمان. ووفقا لآخر تقرير صادر عن مؤسسة النقد بشأن سوق التأمين السعودي لعام 2014، فقد بلغت نسبة النمو في قطاع التأمين الصحي 22% خلال عام 2014 بقيمة 15.7 مليار ريال مقارنة بنحو 12.9 مليار ريال في 2013، ويمثل التأمين الصحي 52 % من إجمالي سوق التأمين، وبلغت المطالبات المدفوعة للتأمين الصحي ما نسبته 57% من إجمالي المطالبات المدفوعة للعام 2014 وفقا للتقرير. كما شهد العام الماضي زيادة كبيرة جدا في عدد المؤمن عليهم بنحو 2 مليون مستفيد، وذلك نتيجة لتطبيق التأمين الصحي الإلزامي على المقيمين والسعوديين العاملين في القطاع الخاص خلال العام الماضي وفقا للمادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لنظام الضمان الصحي والمعتمدة عام 1435ه, بالإضافة إلى الحملة التصحيحية للعمالة الأجنبية التي قادتها كل من وزارتي الداخلية والعمل عام 1434ه.. شركات التأمين : 3 حالات فقط للرفض أكد عدد من شركات التأمين، أنه يحق للطبيب الاستشاري عدم قبول التأمين الطبي في عدة حالات، منها أن يكون الاستشاري مسجلا في المستشفى على «طبيب زائر» وهذه الفئة تعمل لمدة محدودة وليس بينها وبين مقدم الخدمة عقد عمل، أو أن يكون الاستشاري مستأجرا لعيادة طبية داخل المستشفى، وبالتالي لا تحكمه قوانين وأنظمة وقوانين مقدم الخدمة واللائحة التنفيذية لمجلس الضمان الصحي، أو في حالة عمل الاستشاري لدى مقدم الخدمة كمتعاون بدوام جزئي.. 80 ألف ريال غرامة للاستشاري المخالف أكدت جهات مسؤولة في وزارة الصحة التزامها بتطبيق الأنظمة والتعليمات بحق الطبيب الاستشاري الذي يرفض قبول مرضى التأمين الطبي في عيادته. وأوضحت عبر عدة وسائل إعلامية، أن عقوبة ذلك تصل للغرامة بنحو 80 ألف ريال، وهذه تعتبر مخالفة لأنظمة مجلس الضمان الصحي التي حدد فيها المبالغ التي يحصل عليها كل استشاري على كل كشفية تتم في المستشفيات، وهذا بالإضافة إلى أن العقوبة المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية، تشمل فرض غرامة 100 ألف على المنشأة التي يتبع لها الاستشاري. وأكد مستشارون قانونيون في مجال الضمان الصحي أن هذه العقوبات تخضع وفقا لبنود وثيقة التأمين وطبيعة العقود المبرمة بين مزود الخدمة والأطباء وشركات التأمين، وقد تكون هناك بنود قانونية تعطي بعض الأطراف حقوقا والتزامات متدرجة وفق شروط العقد، وفي أغلب الأحوال هذه العقوبات التي تفرض من قبل مجلس الضمان الصحي أو وزارة الصحة تفرض بناء على مخالفة بنود محددة العقد، وفي حالات عديدة لا يوجد عقد بين هذه الأطراف ذات العلاقة خاصة للأطباء المنتدبين من جهات عملهم الرسمية للعمل لدى بعض المستشفيات كمتعاونين بدوام جزئي، وهناك أيضا استشاريون لديهم عيادات مستقلة ومستأجرة داخل بعض المستشفيات، وهؤلاء لا يربطهم عقد عمل مع إدارة المستشفيات كموظفين، وبالتالي لا يتم حسابهم ضمن طاقم مزود الخدمة..