أيهما أجدى، أن يكون كاتب الرأي حرا في التعبير، يقول ما يشاء كيفما يشاء، بلا تدخل من أحد أو كسر لقلم أو إلجام للسان؟! أم أن يكون عليه إشراف ورقابة تخفف من حدته متى احتد، وتشذب من رأيه متى طاش وابتعد؟! كتاب الرأي في الصحف يشكلون ركنا قويا ترتكز عليه الصحافة في أداء دورها النقدي والرقابي، ووجود كتاب رأي مؤثرين في الصحافة يجعلها حقا قوة رقابية ونقدية مهابة في المجتمع. لكن كتاب الرأي عموما يرون أنهم لا يمكن لهم القيام بذلك الدور إلا متى توفرت لهم حرية التعبير، ويكادون يتفقون فيما بينهم على أنهم يتعرضون للحد من حريتهم في قول ما يريدون، فهم وإن كانوا مسؤولين عما يكتبون إلا أن مسؤوليتهم تظل محدودة مقارنة بمسؤولية الصحيفة التي يكتبون فيها. من زاوية أخرى، هل من الصواب أن يترك الباب مشرعا أمام كتاب الرأي ليقول كل منهم ما يشاء؟ ألا يحتمل أن يجنح الكاتب إلى النقد أو الاتهام للغير كذبا أو بناء على مجرد الظن فيظلم؟ أو ألا يحتمل أن يستغل الكاتب ما لديه من صلاحيات الكتابة المفتوحة في تحقيق مصالح شخصية، كالطعن في غيره رغبة في الانتقام ممن أساء إليه، أو للابتزاز والحصول على مكاسب مادية مقابل اتقاء سلاطة قلمه؟ إن كل هذه الاحتمالات واردة، فالكتاب يظلون بشرا تستهويهم المطامع وتتحكم فيهم الانفعالات، فكيف يمكن ضبط كل ذلك مع الاحتفاظ بمفهوم حرية الكتابة؟ على المستوى النظري، قد يمكن القول إن الكاتب المحترم والصحيفة الراقية، ينبغي أن يكونا فوق ذلك، وأن تكون لهما قيم أخلاقية تحول بينهما وبين الانجراف في مثل ذلك المنزلق الدنيء، لكن هذا القول إن صدق مع كاتب، فإنه ليس بالضرورة أن يصدق مع الجميع، وإن التزمت به صحيفة ليس مؤكدا أن تلتزم به كل الصحف، فكيف يمكن التوفيق بين ضمان حرية الكتابة والنشر، وضمان عدم الشطط والتجني على الآخرين بالباطل؟ لعل بعض الإجراءات التي اتخذتها وزارة الثقافة والإعلام في الأعوام القريبة الماضية يكون لها أثر في حفظ الحقوق، فالكتاب حين يتذكرون أنهم محاسبون على ما يقولون، وأنهم معرضون للعقوبة متى كان ما يكتبونه باطلا لا يسنده دليل، قد يصيرون أشد حذرا وأكثر ميلا إلى التحري عن الحقيقة والاستيثاق، فلا يتجاوزون الحق في القول.